هيلين توماس‏!‏

اعتزلت الصحفية الأمريكية من اصل لبناني هيلين توماس ــ العجوز المشاكسة ذات التسعين ربيعا‏,‏ التي كانت تواجه الرؤساء الأمريكيين باسئلتها الجسور حول قضايا الشرق الأوسط دون ان تخفي اعتراضاتها علي انحيازهم المسبق لإسرائيل ــ العمل كمندوبة لصحيفتها في البيت الأبيض‏,
‏ تحت ضغوط كثيفة مارستها دوائر صهيونية وأمريكية تتهمها بمعاداة السامية‏,‏ ولأول مرة منذ‏57‏ عاما يخلو مقعدها وسط الصف الأول من مقاعد غرفة الصحافة في البيت الأبيض الذي يواجه الرئيس الأمريكي مباشرة أو المتحدث باسم البيت الأبيض ولايستطيع احد الاقتراب منه
وعندما كنا نحضر في واشنطن أيا من اللقاءات الصحفية التي يعقدها الرئيس مبارك مع أي من رؤساء الولايات المتحدة‏,‏ في غرفة الصحافة في البيت الأبيض‏,‏ كان يسعدنا كثيرا كصحفيين مصريين ان نحيي العجوز هيلين توماس التي كانت لاتزال برغم اقترابها من التسعين في كامل حيويتها‏,‏ تحتفظ بسلاطة اسئلتها التي توجهها للرئيس الأمريكي وتعليقاتها الساخرة التي تضفي علي المكان جوا من الانتعاش والحيوية‏.‏
اعتزلت هيلين العمل تحت ضغوط صهيونية كثيفة‏,‏ لانها قالت في لقاء لها مع احد حاخامات اليهود الأمريكيين فليذهب الإسرائيليون إلي الحجيم ويغادروا أرض فلسطين إلي البلاد التي قدموا منها‏,‏ بولندا‏,‏ وألمانيا‏,‏ أو إلي الولايات المتحدة أو أي مكان آخر‏,‏ ورغم ان هيلين قدمت اعتذارا عبرت فيه عن املها في ان تنجح جهود السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لم تقبل جماعة الإيباك اقوي الجماعات الصهيونية الاعتذار‏,‏ واصرت علي استقالة هيلين التي لم تكن تخجل من اعلان وجهات نظرها ضد جرائم إسرائيل إلي حد ان الرئيس بوش الابن ابعدها عن مؤتمراته الصحفية بعد ان سألته‏:‏ لقد ادي غزو العراق إلي مقتل الآلاف من الأمريكيين والعراقيين‏,‏ وللأسف فإن كل الأسباب التي قدمتها تبريرا للغزو ثبت انها غير صحيحة فمتي تخرج من العراق؟‏!‏
وفي آخر لقاء مع الرئيس أوباما سألته هيلين متي تخرج من أفغانستان ولماذا نحن هناك نقتلهم ويقتلوننا‏,‏ أرجو ألا تقول لي اجابتك المفضلة لو لم نذهب إليهم لجاءوا إلينا في الولايات المتحدة‏,‏ ومع ذلك حمل الرئيس أوباما إلي مقعدها في غرفة الصحافة في أغسطس الماضي بعض الشاي والكعك في يوم عيد ميلادها وهو يغني لها عيد ميلاد سعيد ياهيلين‏,‏ وما من شك ان غرفة الصحافة في البيت الأبيض سوف تفتقد هيلين توماس ايقونة البيت الأبيض واحدي علاماته التي ظلت علي امتداد‏60‏ عاما متصلة تجلس في الصف الأول‏,‏ تسأل الرؤساء الأمريكيين ابتداء من دوايت إيزنهاور إلي أوباما اسئلة بالغة الصدق حول إسرائيل والفلسطينيين وأزمة الشرق الأوسط‏.‏

الاهرام الأحد غرة رجب 1431 هــ 13 يونيو 2010 السنة 134 العدد 45114