المصاعب والتحديات.. عندما يصبح الشباب الأكثر عددا في مصر!!
صفحة 1 من اصل 1
المصاعب والتحديات.. عندما يصبح الشباب الأكثر عددا في مصر!!
لعل أهم حقيقة سجلها تقرير التنمية البشرية عن مصر هذا العام, الذي ركز علي الأبعاد المختلفة لقضية الشباب, أن مصر تعايش الآن مشكلة جديدة تتعلق بطبيعة بنيتها السكانية.
نتيجة تضخم حجم أعداد شبابها قياسا علي تعداد باقي الفئات العمرية لأفراد المجتمع, سواء صغار السن في مرحلة الطفولة أم الكبار الذين دخلوا مرحلة الكهولة, وأن40 في المائة من المصريين تتراوح أعمارهم بين10 و29 عاما, كما أن20 مليون نسمة يشكلون ربع سكان مصر هم في سن الشباب, تتراوح أعمارهم بين19 و29 عاما.
صحيح أن هذه النسبة الكبيرة من الشباب ضمن التكوين الديموجرافي الجديد للمجتمع المصري, تعني أن مصر برغم حضارتها القديمة وعمرها الذي يزيد علي عمر التاريخ, لاتزال أمة فتية, قادرة علي أن تصنع بقوة شبابها مستقبلا أفضل من حاضرها الراهن, لكن الصحيح أيضا أن هذه الحقيقة السكانية التي سوف تتعايش معها مصر لأكثر من30 عاما مقبلة يظل فيها شبابها القوة الأكثر حجما في الهرم السكاني للمجتمع تشكل تحديا ضخما لمصر الحكم يضعها علي مفترق طريقين لا ثالث لهما, إما أن تنجح في استيعاب هذه الحقيقة السكانية الضخمة من خلال صنع استراتيجيات صحيحة تستوعب آمال هذا الشباب وتنمي قدراته بما يتوافق مع متطلبات عصره, وتمكنه من تحقيق أمانيه في فرصة عمل حقيقية تحقق ذاته, وتساعده علي تحسين جودة حياته, وتؤهله لصنع أسرة جديدة تعيش حياة معقولة كما تهيئ له فرص المشاركة السياسية كمواطن صالح من حقه أن يدلي بصوته في انتخابات نزيهة, ويحظي باحترام حقوقه كمواطن بما يضمن في النهاية حسن اندماج هذا الفيض الضخم من الشباب في المجتمع وتكيفه مع واقعه ليضيف قوة هائلة الي قدرة المجتمع تضمن له المزيد من التقدم, وإما أن تفشل هذه الاستراتيجيات في تحقيق أهدافها, ونجد أنفسنا أمام مجتمع مفكك, ينفصل حاضره عن مستقبله, يعيش شبابه حالة تهميش واستبعاد يفتقد فرص تحقيق ذاته, لا يستطيع أن يكون أسرة أو يصنع مستقبلا أو يندمج في مجتمعه ليصبح عنصر قلق يضاعف من صعوبات عدم استقرار الوطن والمجتمع.
وما يزيد من صعوبة هذا التحدي أن مصر لم تنجح بعد في إصلاح نظامها التعليمي بما يمكنها من حسن تأهيل هذه الأعداد الضخمة من شبابها ليكون عدتها الأساسية في عالم تحكمه المنافسة, فلاتزال نسبة التسرب من النظام التعليمي في وقت مبكر عالية, تؤدي الي حرمان27 في المائة من شباب مصر من استكمال تعليمه الأساسي و10 في المائة منهم لم يلتحقوا قط بالتعليم والباقون تسربوا في سنوات الدراسة الأولي!, ولايزال أكثر من60 في المائة ممن استكملوا مرحلة التعليم الإعدادي يذهبون الي مدارس ثانوية للتعليم الفني معظمها تجاري, تفتقد أبسط المقومات التي تجعلها جديرة بهذا العنوان, لا يصلح أغلبها لإثراء هرم العمالة المصرية الذي يعاني فقرا شديدا في العديد من التخصصات الفنية.. ومع الأسف فإن خريجي هذه المدارس المسماة فنية يشكلون64 في المائة من حجم المتعطلين في مصر.. وبرغم وجود17 جامعة مصرية تضم ما يقرب من مليون ونصف المليون طالب جامعي, ينخفض مستوي الجودة في التعليم الجامعي قياسا علي مطالب سوق العمل الي حد أن90 في المائة من المتعطلين تقل أعمارهم عن30 عاما, يشكل الشباب24 في المائة من هذه النسبة وتشكل الإناث نسبة تزيد علي70 في المائة, كما أن58 في المائة من قوة الشباب المصري لاتزال خارج قوة العمل, بما يؤكد أن مصر لم تنجح بعد في استثمار قوتها الراهنة من الشباب, الأمر الذي يضاعف من حجم تحديات المستقبل.
وبرغم الجهد المبذول في مجال تنمية الشباب الذي أدي الي تحسن ملموس في متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي, فإن أعداد الفقراء في مصر ارتفعت الي20 في المائة وزاد عددهم المطلق, ومع الأسف فإن آليات حصار الفقر والقضاء علي البطالة وسط الشباب برغم التراجع المحدود في نسب البطالة بين الشباب الذكور الي حدود10 في المائة لاتزال عاجزة عن إحداث التغيير المطلوب الذي يساعد علي دمج هذا الفيض الضخم من الشباب في المجتمع, ولايزال72 في المائة من الشباب يشعرون أن أهم ما يقلقهم هي الظروف الاقتصادية الصعبة والتطلع للحصول علي فرصة عمل حقيقية.
واذا كان صحيحا أن هناك مبادرة جديدة تضطلع بها وزارة القوي العاملة لمواجهة تحديات مشكلة تشغيل الشباب في إطار خطة تتكلف17 مليار جنيه يتم تنفيذها علي خمس سنوات, تركز علي التدريب وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإنشاء مراكز في المحافظات لتشغيل الشباب, فإن من شأن هذه المبادرة أن تشكل الأساس الصحيح لأية استراتيجيات جادة تعني بقضية دمج الشباب في المجتمع وإنهاء غربته وتهميشه شريطة سرعة التنفيذ وجديته, ومع ذلك يبقي تطوير التعليم المصري المهمة الأساسية التي بدونها لا تحقق أية استراتيجيات لاستيعاب هذا الحجم الضخم من الشباب الحد الأدني من النجاح لأن تركيز الجهد علي تطوير التعليم يعني القضاء علي المشكلة من منابعها كما يعني بداية الطريق الصحيح لحسن استثمار قدرات مصر البشرية.
وتكشف الحالة الراهنة للشباب المصري كما سجلتها عديد من الدراسات والاحصاءات والاستبيانات والبحوث المحلية التي قام عليها تقرير التنمية البشرية عن صورة بالغة التعقيد, تحفل بتناقضات عديدة, يتداخل فيها السلبي والإيجابي, كما تكشف عن عيوب ومثالب بالغة الأهمية لشباب مصر يزاحمها مميزات عديدة, لكن الصورة في المجمل تقول بملء الفم, إن الشباب المصري ـ وقد أصبح كتلة سكانية مهمة تلعب دورا متزايدا في المجتمع ـ برغم انتمائهم الي فئات اجتماعية واقتصادية وثقافية مختلفة, وبرغم أنهم ينتمون الي منظومة من القيم المتنوعة, فإنهم يتشاركون جميعا في مجموعة من القيم المشتركة, تؤكد أن شباب مصر لايزال بخير, يملؤه شعور جارف بالانتماء الوطني والقومي يؤمن بالحداثة والعلم, ويري في قيمة العمل الفرصة المثلي لتحقيق ذاته, كما يؤمن بأهمية العدالة وتكافؤ الفرص مع التسليم بحق المتفوق والمتميز في مكانة أفضل, ويعتقد أن الديمقراطية هي النظام الأمثل الذي يتطلع إليه ويجب أن يعيش في ظلها, وأن الانتخابات النزيهة هي الوسيلة المثلي لتشجيع المشاركة السياسية.
وطبقا لما ورد في التقرير, فإن68 في المائة من الشباب يرون أن التكنولوجيا والعلم هو الطريق الصحيح لبناء مصر, كما أن85 في المائة منهم يعطون الأولوية القصوي لقيمة العمل لأن الحصول علي مال دون عمل أمر يهين الكرامة, كما يهتم97 في المائة منهم بتكوين الأسرة ويعتبرون ذلك أهم غايات حياتهم, ويعتقد84 في المائة منهم أن الحكم الديمقراطي خيار لابد منه يفضلون العيش في ظله, وينحاز90 في المائة منهم الي ضرورة وجود انتخابات نزيهة تشكل الآلية الصحيحة لنظام الحكم الديمقراطي, كما أن70 في المائة منهم فخورون بانتمائهم الوطني والقومي يعتزون بهويتهم المصرية, ولا يتردد85 في المائة منهم في الذهاب الي الحرب دفاعا عن الوطن.
ومع ذلك فإن62 في المائة من الشباب لايزال يحمل الدولة مسئولية تلبية تطلعاتهم, وينحاز50 في المائة منهم الي دور أكبر للدولة في العملية الاقتصادية يشمل توسيع ملكية القطاع العام, وتنخفض ثقتهم في القطاع الخاص الي حدود9 في المائة, بما يشير الي خطورة الصورة السلبية في أذهان شباب مصر لدور رجال الأعمال والقطاع الخاص, وبرغم انحيازهم بنسبة تزيد علي90 في المائة الي ضرورة إجراء انتخابات نزيهة, فإن84 في المائة من الذين لهم حق الانتخاب من الشباب لا يذهبون لممارسة هذا الحق!
ويدخل ضمن مثالب الشباب المصري شراهة التدخين الذي يمارسه32 في المائة من الذكور, والبدانة التي يعاني منها66 في المائة من الشابات, و30 في المائة من الشباب دون أن يدركوا أنهم يواجهون مشكلة صحية يمكن أن تؤثر بالسلب علي حياتهم, والختان الذي لايزال يخضع له97 في المائة من الإناث فوق15 سنة, وتهبط النسبة الي64 في المائة ما بين العاشرة والرابعة عشرة, ولايمارس الرياضة سوي26 في المائة فقط من شباب مصر لفترات متقطعة لا تتجاوز ساعة أو ساعتين, وتستبد الرغبة في الهجرة بما يقرب من ثلث شباب مصر.
ومع الأسف فإن مؤشرات اهتمام الشباب المصري بالسياسة تعطي صورة سلبية تدعو الي القلق, لأن أقل من1 في المائة من الشباب هو الذي ينتمي الي حزب سياسي, كما أن21 في المائة من الشباب ينتمون في الأغلب الي شرائح الطبقة الوسطي هم الذين يمارسون حقهم الانتخابي, ويأتي الاهتمام بالسياسة في نهاية قائمة من الاهتمامات تبدأ بالأسرة والدين والعمل والأصدقاء, ثم تأتي السياسة التي يمارسها6 في المائة فقط من الشباب يميل معظمهم لأن يكون جزءا من المعارضة يشاركون في الاحتجاج والتظاهر, ويعتبر38 في المائة من الذين يهتمون بالسياسة أنفسهم من اليسار و9 في المائة من اليمين و50 في المائة يفضلون الاعتدال والانتماء الي الوسط.
ماذا تعني كل هذه الحقائق التي كشف عنها تقرير التنمية البشرية عام2010 الذي أشرفت علي وضعه ضمن فريق عمل كبير د. هبة حندوسة واحدة من كبار المهتمين بدراسة قضايا الاقتصاد المصري وأكثرهم موضوعية وحيادا وعمقا؟!
تعني أن الشوط لايزال بعيدا كي تستطيع مصر إشباع حاجات شبابها في تعليم جيد وتحقيق فرص عمل حقيقية, وضمان حد معقول من الصحة والأمن والبيئة النظيفة والمشاركة الحقيقية في صنع القرار, لكن الإحساس بضرورة وجود استراتيجية شاملة تحقق هذه الأهداف, تستوعب هذا الحجم الضخم والمتزايد من الشباب وتوجيه أجهزة الدراسة والبحث والاستقصاء لبحث مخاطر تهميش الشباب واستبعاده والسعي الجاد الي تنفيذ هذه الاستراتيجية يمثل خطوة أولي علي الطريق الصحيح تتطلب المتابعة المستمرة لأن التحديات التي تواجه مصر حال فشل هذه الاستراتيجيات في استيعاب هذه القوة المتزايدة جد خطير.
لكن أي خطط تتعلق بمستقبل الشباب لابد أن يشارك فيها الشباب وتبدأ من المدرسة, تعترف بحقوق الطلاب في انتخاب اتحادات طلابية تمثلهم وتشجعهم علي العمل التطوعي, وتدربهم علي الحوار وقبول الآخر, وتضمن لهم حياة جامعية لا يسيطر الأمن علي أنشطتها, تنظمها لوائح تنفيذية يشارك الطلاب في مناقشة بنودها, وتتيح لهم بعد التخرج فرص ممارسة أنشطة سياسية وحزبية, تضمن لهم حق المشاركة وتساعد علي اندماجهم في المجتمع سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين, خاصة أن معظم الشباب المصري يتجه الي الاعتدال.
واذا كان إحساس الشباب بأن الذهاب الي المدرسة هو أكبر مضيعة للوقت, لأن المدرسين لا يهتمون إلا بمجموعات الدروس الخصوصية, يصبح نقطة البدء الصحيح عودة الانضباط الي المدارس وتحسين مستوي الأداء في الفصول والاهتمام بتعليم اللغات وتطوير التعليم الفني علي نحو جاد يضمن توافق مخرجاته مع احتياجات سوق العمل.
ومن الضروري أن تنطوي كل هذه الجهود في إطار خطة قومية يتحقق فيها التناغم بين دور الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني بهدف الاسراع في استيعاب هذا الحجم المتزايد من الشباب الذي يتوق الي ديمقراطية حقيقية وانتخابات نظيفة, وتزداد فاعليته يوما وراء يوم يدفع بالحراك السياسي قدما الي أهداف التغيير.
الاهرام السبت 17 يوليو 2010 السنة 134 العدد 45148
نتيجة تضخم حجم أعداد شبابها قياسا علي تعداد باقي الفئات العمرية لأفراد المجتمع, سواء صغار السن في مرحلة الطفولة أم الكبار الذين دخلوا مرحلة الكهولة, وأن40 في المائة من المصريين تتراوح أعمارهم بين10 و29 عاما, كما أن20 مليون نسمة يشكلون ربع سكان مصر هم في سن الشباب, تتراوح أعمارهم بين19 و29 عاما.
صحيح أن هذه النسبة الكبيرة من الشباب ضمن التكوين الديموجرافي الجديد للمجتمع المصري, تعني أن مصر برغم حضارتها القديمة وعمرها الذي يزيد علي عمر التاريخ, لاتزال أمة فتية, قادرة علي أن تصنع بقوة شبابها مستقبلا أفضل من حاضرها الراهن, لكن الصحيح أيضا أن هذه الحقيقة السكانية التي سوف تتعايش معها مصر لأكثر من30 عاما مقبلة يظل فيها شبابها القوة الأكثر حجما في الهرم السكاني للمجتمع تشكل تحديا ضخما لمصر الحكم يضعها علي مفترق طريقين لا ثالث لهما, إما أن تنجح في استيعاب هذه الحقيقة السكانية الضخمة من خلال صنع استراتيجيات صحيحة تستوعب آمال هذا الشباب وتنمي قدراته بما يتوافق مع متطلبات عصره, وتمكنه من تحقيق أمانيه في فرصة عمل حقيقية تحقق ذاته, وتساعده علي تحسين جودة حياته, وتؤهله لصنع أسرة جديدة تعيش حياة معقولة كما تهيئ له فرص المشاركة السياسية كمواطن صالح من حقه أن يدلي بصوته في انتخابات نزيهة, ويحظي باحترام حقوقه كمواطن بما يضمن في النهاية حسن اندماج هذا الفيض الضخم من الشباب في المجتمع وتكيفه مع واقعه ليضيف قوة هائلة الي قدرة المجتمع تضمن له المزيد من التقدم, وإما أن تفشل هذه الاستراتيجيات في تحقيق أهدافها, ونجد أنفسنا أمام مجتمع مفكك, ينفصل حاضره عن مستقبله, يعيش شبابه حالة تهميش واستبعاد يفتقد فرص تحقيق ذاته, لا يستطيع أن يكون أسرة أو يصنع مستقبلا أو يندمج في مجتمعه ليصبح عنصر قلق يضاعف من صعوبات عدم استقرار الوطن والمجتمع.
وما يزيد من صعوبة هذا التحدي أن مصر لم تنجح بعد في إصلاح نظامها التعليمي بما يمكنها من حسن تأهيل هذه الأعداد الضخمة من شبابها ليكون عدتها الأساسية في عالم تحكمه المنافسة, فلاتزال نسبة التسرب من النظام التعليمي في وقت مبكر عالية, تؤدي الي حرمان27 في المائة من شباب مصر من استكمال تعليمه الأساسي و10 في المائة منهم لم يلتحقوا قط بالتعليم والباقون تسربوا في سنوات الدراسة الأولي!, ولايزال أكثر من60 في المائة ممن استكملوا مرحلة التعليم الإعدادي يذهبون الي مدارس ثانوية للتعليم الفني معظمها تجاري, تفتقد أبسط المقومات التي تجعلها جديرة بهذا العنوان, لا يصلح أغلبها لإثراء هرم العمالة المصرية الذي يعاني فقرا شديدا في العديد من التخصصات الفنية.. ومع الأسف فإن خريجي هذه المدارس المسماة فنية يشكلون64 في المائة من حجم المتعطلين في مصر.. وبرغم وجود17 جامعة مصرية تضم ما يقرب من مليون ونصف المليون طالب جامعي, ينخفض مستوي الجودة في التعليم الجامعي قياسا علي مطالب سوق العمل الي حد أن90 في المائة من المتعطلين تقل أعمارهم عن30 عاما, يشكل الشباب24 في المائة من هذه النسبة وتشكل الإناث نسبة تزيد علي70 في المائة, كما أن58 في المائة من قوة الشباب المصري لاتزال خارج قوة العمل, بما يؤكد أن مصر لم تنجح بعد في استثمار قوتها الراهنة من الشباب, الأمر الذي يضاعف من حجم تحديات المستقبل.
وبرغم الجهد المبذول في مجال تنمية الشباب الذي أدي الي تحسن ملموس في متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي, فإن أعداد الفقراء في مصر ارتفعت الي20 في المائة وزاد عددهم المطلق, ومع الأسف فإن آليات حصار الفقر والقضاء علي البطالة وسط الشباب برغم التراجع المحدود في نسب البطالة بين الشباب الذكور الي حدود10 في المائة لاتزال عاجزة عن إحداث التغيير المطلوب الذي يساعد علي دمج هذا الفيض الضخم من الشباب في المجتمع, ولايزال72 في المائة من الشباب يشعرون أن أهم ما يقلقهم هي الظروف الاقتصادية الصعبة والتطلع للحصول علي فرصة عمل حقيقية.
واذا كان صحيحا أن هناك مبادرة جديدة تضطلع بها وزارة القوي العاملة لمواجهة تحديات مشكلة تشغيل الشباب في إطار خطة تتكلف17 مليار جنيه يتم تنفيذها علي خمس سنوات, تركز علي التدريب وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإنشاء مراكز في المحافظات لتشغيل الشباب, فإن من شأن هذه المبادرة أن تشكل الأساس الصحيح لأية استراتيجيات جادة تعني بقضية دمج الشباب في المجتمع وإنهاء غربته وتهميشه شريطة سرعة التنفيذ وجديته, ومع ذلك يبقي تطوير التعليم المصري المهمة الأساسية التي بدونها لا تحقق أية استراتيجيات لاستيعاب هذا الحجم الضخم من الشباب الحد الأدني من النجاح لأن تركيز الجهد علي تطوير التعليم يعني القضاء علي المشكلة من منابعها كما يعني بداية الطريق الصحيح لحسن استثمار قدرات مصر البشرية.
وتكشف الحالة الراهنة للشباب المصري كما سجلتها عديد من الدراسات والاحصاءات والاستبيانات والبحوث المحلية التي قام عليها تقرير التنمية البشرية عن صورة بالغة التعقيد, تحفل بتناقضات عديدة, يتداخل فيها السلبي والإيجابي, كما تكشف عن عيوب ومثالب بالغة الأهمية لشباب مصر يزاحمها مميزات عديدة, لكن الصورة في المجمل تقول بملء الفم, إن الشباب المصري ـ وقد أصبح كتلة سكانية مهمة تلعب دورا متزايدا في المجتمع ـ برغم انتمائهم الي فئات اجتماعية واقتصادية وثقافية مختلفة, وبرغم أنهم ينتمون الي منظومة من القيم المتنوعة, فإنهم يتشاركون جميعا في مجموعة من القيم المشتركة, تؤكد أن شباب مصر لايزال بخير, يملؤه شعور جارف بالانتماء الوطني والقومي يؤمن بالحداثة والعلم, ويري في قيمة العمل الفرصة المثلي لتحقيق ذاته, كما يؤمن بأهمية العدالة وتكافؤ الفرص مع التسليم بحق المتفوق والمتميز في مكانة أفضل, ويعتقد أن الديمقراطية هي النظام الأمثل الذي يتطلع إليه ويجب أن يعيش في ظلها, وأن الانتخابات النزيهة هي الوسيلة المثلي لتشجيع المشاركة السياسية.
وطبقا لما ورد في التقرير, فإن68 في المائة من الشباب يرون أن التكنولوجيا والعلم هو الطريق الصحيح لبناء مصر, كما أن85 في المائة منهم يعطون الأولوية القصوي لقيمة العمل لأن الحصول علي مال دون عمل أمر يهين الكرامة, كما يهتم97 في المائة منهم بتكوين الأسرة ويعتبرون ذلك أهم غايات حياتهم, ويعتقد84 في المائة منهم أن الحكم الديمقراطي خيار لابد منه يفضلون العيش في ظله, وينحاز90 في المائة منهم الي ضرورة وجود انتخابات نزيهة تشكل الآلية الصحيحة لنظام الحكم الديمقراطي, كما أن70 في المائة منهم فخورون بانتمائهم الوطني والقومي يعتزون بهويتهم المصرية, ولا يتردد85 في المائة منهم في الذهاب الي الحرب دفاعا عن الوطن.
ومع ذلك فإن62 في المائة من الشباب لايزال يحمل الدولة مسئولية تلبية تطلعاتهم, وينحاز50 في المائة منهم الي دور أكبر للدولة في العملية الاقتصادية يشمل توسيع ملكية القطاع العام, وتنخفض ثقتهم في القطاع الخاص الي حدود9 في المائة, بما يشير الي خطورة الصورة السلبية في أذهان شباب مصر لدور رجال الأعمال والقطاع الخاص, وبرغم انحيازهم بنسبة تزيد علي90 في المائة الي ضرورة إجراء انتخابات نزيهة, فإن84 في المائة من الذين لهم حق الانتخاب من الشباب لا يذهبون لممارسة هذا الحق!
ويدخل ضمن مثالب الشباب المصري شراهة التدخين الذي يمارسه32 في المائة من الذكور, والبدانة التي يعاني منها66 في المائة من الشابات, و30 في المائة من الشباب دون أن يدركوا أنهم يواجهون مشكلة صحية يمكن أن تؤثر بالسلب علي حياتهم, والختان الذي لايزال يخضع له97 في المائة من الإناث فوق15 سنة, وتهبط النسبة الي64 في المائة ما بين العاشرة والرابعة عشرة, ولايمارس الرياضة سوي26 في المائة فقط من شباب مصر لفترات متقطعة لا تتجاوز ساعة أو ساعتين, وتستبد الرغبة في الهجرة بما يقرب من ثلث شباب مصر.
ومع الأسف فإن مؤشرات اهتمام الشباب المصري بالسياسة تعطي صورة سلبية تدعو الي القلق, لأن أقل من1 في المائة من الشباب هو الذي ينتمي الي حزب سياسي, كما أن21 في المائة من الشباب ينتمون في الأغلب الي شرائح الطبقة الوسطي هم الذين يمارسون حقهم الانتخابي, ويأتي الاهتمام بالسياسة في نهاية قائمة من الاهتمامات تبدأ بالأسرة والدين والعمل والأصدقاء, ثم تأتي السياسة التي يمارسها6 في المائة فقط من الشباب يميل معظمهم لأن يكون جزءا من المعارضة يشاركون في الاحتجاج والتظاهر, ويعتبر38 في المائة من الذين يهتمون بالسياسة أنفسهم من اليسار و9 في المائة من اليمين و50 في المائة يفضلون الاعتدال والانتماء الي الوسط.
ماذا تعني كل هذه الحقائق التي كشف عنها تقرير التنمية البشرية عام2010 الذي أشرفت علي وضعه ضمن فريق عمل كبير د. هبة حندوسة واحدة من كبار المهتمين بدراسة قضايا الاقتصاد المصري وأكثرهم موضوعية وحيادا وعمقا؟!
تعني أن الشوط لايزال بعيدا كي تستطيع مصر إشباع حاجات شبابها في تعليم جيد وتحقيق فرص عمل حقيقية, وضمان حد معقول من الصحة والأمن والبيئة النظيفة والمشاركة الحقيقية في صنع القرار, لكن الإحساس بضرورة وجود استراتيجية شاملة تحقق هذه الأهداف, تستوعب هذا الحجم الضخم والمتزايد من الشباب وتوجيه أجهزة الدراسة والبحث والاستقصاء لبحث مخاطر تهميش الشباب واستبعاده والسعي الجاد الي تنفيذ هذه الاستراتيجية يمثل خطوة أولي علي الطريق الصحيح تتطلب المتابعة المستمرة لأن التحديات التي تواجه مصر حال فشل هذه الاستراتيجيات في استيعاب هذه القوة المتزايدة جد خطير.
لكن أي خطط تتعلق بمستقبل الشباب لابد أن يشارك فيها الشباب وتبدأ من المدرسة, تعترف بحقوق الطلاب في انتخاب اتحادات طلابية تمثلهم وتشجعهم علي العمل التطوعي, وتدربهم علي الحوار وقبول الآخر, وتضمن لهم حياة جامعية لا يسيطر الأمن علي أنشطتها, تنظمها لوائح تنفيذية يشارك الطلاب في مناقشة بنودها, وتتيح لهم بعد التخرج فرص ممارسة أنشطة سياسية وحزبية, تضمن لهم حق المشاركة وتساعد علي اندماجهم في المجتمع سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين, خاصة أن معظم الشباب المصري يتجه الي الاعتدال.
واذا كان إحساس الشباب بأن الذهاب الي المدرسة هو أكبر مضيعة للوقت, لأن المدرسين لا يهتمون إلا بمجموعات الدروس الخصوصية, يصبح نقطة البدء الصحيح عودة الانضباط الي المدارس وتحسين مستوي الأداء في الفصول والاهتمام بتعليم اللغات وتطوير التعليم الفني علي نحو جاد يضمن توافق مخرجاته مع احتياجات سوق العمل.
ومن الضروري أن تنطوي كل هذه الجهود في إطار خطة قومية يتحقق فيها التناغم بين دور الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني بهدف الاسراع في استيعاب هذا الحجم المتزايد من الشباب الذي يتوق الي ديمقراطية حقيقية وانتخابات نظيفة, وتزداد فاعليته يوما وراء يوم يدفع بالحراك السياسي قدما الي أهداف التغيير.
الاهرام السبت 17 يوليو 2010 السنة 134 العدد 45148
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى