خطــأ الأهـــرام

أعتقد أن صحيفة الأهرام الغراء ـ فعلا وعملا ـ وأنا الذي لا أزال أفخر بأنني واحد من أبنائها‏,‏ كانت تستحق من الصحافة الوطنية المصرية معاملة أفضل بكثير في تقييم أثر خطأ مهني‏,‏ قد يراه البعض خطأ محدودا وقد يراه البعض خطأ مهنيا كبيرا‏,‏ وقد يراه آخرون تصرفا مهنيا غير لائق لايمكن وصفه بالتزوير‏,‏ خاصة أن الصورة المركبة لم تكن تخدم موضوع إطلاق المفاوضات المباشرة في حفل البيت الأبيض في واشنطن‏,‏ وإنما كانت تخدم موضوعا آخر‏,‏ يتعلق بتوقعات صحيفة الأهرام لما سوف يجري في مؤتمر شرم الشيخ الذي دعت مصر إلي ا
وقد يكون صحيحا أن المسئول التنفيذي عن هذا الخطأ كان سيضع صحيفته في موقف أفضل بكثير‏,‏ لو أنه اعتمد الرسم بدلا من إعادة تركيب صورة معروفة للتعبير عن قناعته بأن مصر تقود في مفاوضات شرم الشيخ موقفا واضحا من قضية الاستيطان‏,‏ لكن جل من لا يخطئ‏,‏ خاصة إذا توافر حسن النيات الذي أملي علي الأهرام أن تكتب بالبنط العريض فوق الصورة المركبة الطريق إلي شرم الشيخ‏,‏ بما يعني أن الصحيفة تعالج موضوعا آخر يتجاوز موضوع إطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن‏.‏
علي أية حال فإن ما حدث هو خطأ مهني أو بالأحري اجتهاد مهني خاطئ‏,‏ لا جدال‏,‏ لكن هل كان الخطأ يستحق كل هذه الضجة والهجوم والشوشرة علي الأهرام الغراء التي حافظت علي صدقها ومصداقيتها علي امتداد ما يقرب من قرن ونصف قرن من الزمان‏,‏ لم تتورط يوما ما في عمل يسيء إلي مهنة الصحافة‏,‏ أو يقلل من مكانتها أو يطعن علي مصداقيتها‏,‏ وحافظت طوال هذه الأزمنة والعصور علي صورتها صحيفة مصرية وطنية‏,‏ تخبر صدقا عما يجري في مصر والعالم‏,‏ تنشر الخبر مجردا من أية رتوش سياسية خاليا من كل عناصر الإثارة‏,‏ وتتمسك بتقاليد مدرسة محافظة تنشر الخبر من أجل الخبر لاتخلط بينه وبين الرأي ولا تعمد إلي أي من أساليب الإثارة لترويجه‏.‏
وإذا كانت هناك بعض المنابر الخارجية التي ربما يكون لها مصلحة في أن تسيء إلي الأهرام أو تستثمر هذا الخطأ المهني للتشكيك في مصداقيتها‏,‏ فما هي مصلحة صحف وطنية مصرية في أن تفعل الشيء نفسه وربما بصورة أشد قسوة وفجاجة؟‏!.‏
إنني لا أعتب علي الصحف الزميلة التي انتقدت الأهرام‏,‏ فهذا حقها لأن النقد يصوب الخطأ‏,‏ لكن ما أعيبه علي بعض الصحف الزميلة هو لهجة الشماتة والتشفي التي استخدمتها في الهجوم علي الأهرام‏,‏ والخلط المعيب الذي وقع فيه كثيرون‏.‏ لم يميزوا بين موقفهم من صحيفة زميلة وموقفهم المعارض من الحكم‏,‏ وأساءوا قراءة الصورة المركبة كما أساءوا قراءة الصورة الصحيحة‏,‏ لأن تأخر الرئيس مبارك بضع خطوات عن موكب الرؤساء في ممرات البيت الأبيض لايرمز إلي شيء ولا يدل علي شيء‏,‏ لأن مبارك كان أول المتحدثين بعد أوباما‏,‏ وأول الجالسين علي يمينه‏,‏ وزاد من مكانته فحوي الخطاب الذي ألقاه ليعبر بقوة عن موقف مصري قاطع الوضوح والدلالة‏.‏
إن الأهرام تراث وطن بأكمله‏,‏ يدخل في مسئولية كل الصحف المصرية وكل الصحفيين المصريين الحفاظ عليه وحمايته‏,‏ لأن الأهرام ليست ملكا للقائمين عليها اليوم‏,‏ كما لم تكن ملكا للقائمين عليها بالأمس‏,‏ الكل عابر ويبقي الأهرام أبدا ديوان مصر المعاصرة ومرآتها التي ينبغي أن يحافظ عليها الجميع‏.‏
ينتقدونه نعم‏,‏ لكن لا يمزقون وجهه‏!.‏
يصححون أخطاءه نعم‏,‏ لكن لايهدمون مصداقيته وتاريخه‏,‏ أعرف أن الزملاء العاملين في الأهرام يعانون غصة مما حدث‏,‏ لكن نصيحتي لهم أن يكون ردهم الصحيح المزيد من اليقظة والانتباه‏,‏ والمزيد من الدقة والمهنية والحرص علي المصداقية‏.‏

الجمعة 24 سبتمبر 2010 السنة 135 العدد 45217