المجتمعات وبصمات الأصابع

المجتمعات وبصمات الأصابع
ما حدث في تونس هو باختصار انتفاضة شعبية لا علاقة لها بالدين أو الأيديولوجية‏.‏ قام بها الشباب التونسي احتجاجا علي تفاقم مشكلة البطالة بعد أن أشعل شاب جامعي النار في نفسه‏,‏
يعمل في بيع الفاكهة علي عربة يد أحس بإهانة بالغة لأن موظفة البلدية صفعته علي وجهه‏,‏ وصادرت رزقه‏!,‏ لكن حكومة زين العابدين بن علي أساءت إدارة الأزمة وصبت المزيد من الزيت علي نار مشتعلة‏,‏ عندما أمرت بإطلاق الرصاص في المليان علي المتظاهرين‏,‏ غير ما حدث في تونس يقول أيضا‏,‏ ان التغيير يمكن أن يفاجئ الجميع رغم أن لكل دولة ظروفها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تخصها‏,‏ ووجود بعض التشابه في بعض الظواهر لا يعني أن ما حدث في تونس يمكن أن يحدث في بلد آخر علي الصورة ذاتها‏,‏ لأن المجتمعات مثل بصمات الأصابع‏,‏ لكل بصمته الخاصة التي تميز أفعاله ورؤاه‏!.‏
وقد كان نظام الرئيس التونسي بن علي يحقق معدلات تنمية جاوزت في المتوسط خمسة في المائة علي امتداد السنوات الأخيرة وكان مهتما بقضية التعليم‏,‏ وعندما كانت السياحة التونسية منتعشة قبل الأزمة الاقتصادية العالمية كانت نسب تشغيل الخريجين خاصة في المدن الساحلية عالية‏,‏ لكن خطيئة نظام حكم زين العابدين بن علي أنه سد جميع قنوات التعبير وترك الفساد طليقا‏,‏ واستخدم الرصاص لقمع المتظاهرين ليقع تغيير مفاجئ تحاول القوات المسلحة التونسية ضبط مساره بعد أن اختلطت أفعال عصابات الإجرام في السلب والنهب بأفعال بعض جماعات قوات الأمن التي تنتصر للرئيس المخلوع لتنشر الفوضي في المدن التونسية‏.‏
والتغيير علي ضرورته وأهميته يمكن أن يكون إلي الأسوأ‏,‏ لو أن هناك جماعات جاهزة تتربص بالمجتمع لفرض نظام شمولي ديني علي طريقة آيات الله في طهران‏,‏ يقمع حرية الرأي والتعبير ويضع مصير المجتمع في يد مرجعية دينية تعتقد أن إرادتها من إرادة الله‏,‏ لا راد لتصرفاتها وأحكامها وأفعالها المطلقة رغم أنه بشر يخطئ ويصيب‏,‏ ومع ذلك تقول انتفاضة تونس شيئا آخر مهما‏,‏ إن التغيير يمكن أن يكون مطلبا حقيقيا وصحيحا يساعد الشعوب علي إعادة ترتيب قواها ومقدراتها في وجه تحديات المستقبل‏,‏ وأن المطالب الاقتصادية يمكن أن تتغير إلي مطالب سياسية‏,‏ وأن التغيير المنظم الذي يتم بإرادة سياسية واعية أضمن في نتائجه من التغيير الفوضوي الذي يمكن ان يفتح الباب لشروط عديدة‏.‏



الأهرام الأربعاء 19 يناير 2011 السنة 135 العدد 45334