في ملاحقة الفساد

نعم ينبغي أن تستعيد مصر كل ما نهبه الفاسدون مهما تكن شخوصهم‏,‏ في ظل هذه التقارير التي تتحدث عن عشرات المليارات من الدولارات تم نهبها دون وجه حق‏,‏ وأظن أن قضية الديون المتعثرة لعدد غير قليل من رجال الأعمال تصلح تاريخافاصلا للمساءلة‏,
لأنه حتي هذا التاريخ كانت نسبة كبيرة ممن تحوم حولهم شبهات التربح علي حساب الشعب يدخلون في قائمة المدينين للبنوك بقروض سيئة السمعة تعذر سدادها وكان أكثرهم مالا لايزيد حجم ثروته علي‏400‏ مليون دولار طبقا لتقارير رسمية تغطيها ديون ثقيلة‏.‏
وينبغي أيضا أن نضع خطوطا فاصلة واضحة بين الثروة والسلطة‏,‏ تمنع تربح الوزراء وأعضاء المجالس النيابية والشعبية من مناصبهم‏,‏ كما ينبغي وضع قواعد شفافة ومعلنة للتصرف في أراضي الدولة لأن معظم الفساد دخل من هذا الباب وكبر وتوحش‏,‏ وأظن أنه من الضروري إعادة النظر في قوانين الاحتكار بما يضمن الحفاظ علي المنافسة‏,‏ لكن ما ينبغي أن يكون نصب أعيننا ألا تتحول المساءلة والمحاسبة إلي عملية تصفية لحسابات شخصية‏,‏ وأن نحترم هؤلاء الذين صنعوا ثرواتهم من إنتاج حقيقي أضاف إلي الناتج المحلي مهما يكن حجم ثرواتهم‏,‏ لأن المساس بمصالح هولاء يضرب في الصميم قدرة مصر علي أن تتعافي من أزمتها الراهنة‏.‏
ولست أظن أننا في حاجة إلي أن نخترع العجلة من جديد لأن تجربة مصر وتجارب العالم تجمع علي أن القطاع الخاص هو القادر علي إعادة بناء مصر من جديد‏,‏ ولا بديل عن أن تستعيد مصر قدرتها علي أن تصبح نقطة جذب لاستثمارات الداخل والخارج‏,‏ تستثمر موقعها الجغرافي ودورها الإقليمي في تحقيق التنمية المستدامة لشعبها‏,‏ لأن الدولة لاتصلح لأن تكون صانعا أو زارعا أو صاحب عمل‏,‏ ولأن مصر لاتزال دولة نامية فلا بديل عن دور مسئول للدولة يرعي مشروعات البنية الأساسية وبعض الصناعات الإستراتيجية‏,‏ ويوازن بين مصالح فئات الشعب المختلفة‏,‏ ويضمن تساقط ثمار التنمية علي الجميع‏,‏ ويهييء المناخ الصحيح للاستثمار‏,‏ ويحاصر الاحتكار ويحمي المنافسة‏.‏
وأخطر مايمكن أن تقع فيه مصر الآن أن تنجر راء نزعات شعبوية غير ناضجة تهدد النظام العام‏,‏ وتنصب محاكم التفتيش في كل مكان‏,‏ وتجعل من نفسها خصما وحكما وتعيد تقسيم الشعب إلي أعداء الثورة وأصدقائها‏,‏ وتتصور أن الشرعية الثورية تعني أخذ الناس بالشبهات وإبطال حكم القانون والخروج علي ناموس الدولة‏.‏

الأهرام الثلاثاء 15 فبراير 2011 السنة 135 العدد 45361