هزيمة العولمة

رغم أن وطأة الإحساس بالأزمة المالية العالمية علي رجال المال والأعمال والساسة المجتمعين هذا العام في المنتدي الاقتصادي العالمي في دافوس كانت أقل حدة بعد ظهور بدايات انتعاش في عديد من الاقتصاديات العالمية‏,‏
إلا أن الإحساس العام الذي سيطر علي المجتمعين في دافوس‏,‏ قلعة الليبرالية الاقتصادية‏,‏ هذا العام هو ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي الذي فلت معياره وصدر الأزمة إلي معظم بلاد العالم عبر المؤسسات المالية الضخمة العابرة للقارات التي باعت ديونها الرئيسية إلي معظم بنوك العالم‏,‏ وضرورة إعادة تخطيط وهيكلة وبناء العولمة التي زادت من غني الأغنياء وفقر الفقراء نتيجة لعدم تكافؤ المعايير التي تسمح بانتقال الأموال والأفكار والبضائع عبر الحدود الجغرافية للدول‏,‏ وضرورة إعادة تهذيب الرأسمالية العالمية التي أصبحت أكثر توحشا‏,‏ وأن كل هذه الأعراض التي أدت إلي الأزمة تستوجب بالضرورة قدرا من تدخل الدولة لتنظيم الأسواق‏.‏
ربما كان الرئيس الفرنسي ساركوزي أكثر الجميع صراحة‏,‏ عندما أعلن في خطابه الافتتاحي للمؤتمر‏,‏ أن بداية خطأ النظام الرأسمالي العالمي ولدت مع اعتقاده المبكر بأن الأسواق علي حق دائما وأنها قادرة علي إصلاح نفسها بنفسها دون تدخل خارجي‏,‏ لكن الرئيس ساركوزي لم يكن وحده فقد شاركه الرأي جورج حورس الرأسمالي العالمي الشهير وأحد فلاسفة الاقتصاد الحر الذي كان أكثر الجميع انتقادا للعولمة والرئيس السويسري وآخرون كثيرون أجمعوا علي أن عالم المال والأعمال لن يعود إلي ما كان عليه الوضع قبل الأزمة العالمية التي تفجرت عام‏2008‏ وفجرت منها أزمة ثقة ضخمة في المؤسسات والبنوك العالمية الكبير‏,‏ زادت من مخاوف عودة نظم الحماية الجمركية والتدخل المفرط من جانب الدولة لضبط الأسواق‏,‏ خاصة أن اجراءات مواجهة الأزمة المالية لم تنجح حتي الآن في التخفيف من حد أزمة البطالة‏,‏ فلايزال واحد من كل خمسة أمريكيين قادرين علي العمل يعاني البطالة‏,‏ ولاتزال العودة إلي معدلات التشغيل التي وصلت في الستينيات إلي نسبة‏59%‏ حلما بعيد المنال برغم تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية‏.‏
في الوقت الذي ينتقل فيه مركز القوة الاقتصادية العالمية إلي أقصي الشرق في الصين حيث يزداد دور الدولة بروزا في ضبط الأسواق‏.‏

الاهرام الخميس 20 من صفر 1431 هـ 4 فبراير 2010 السنة 135 العدد 44985