حق التظاهر‏!‏

اعتقد أن مصر تستحق صورة أفضل من الصورة التي يتم الترويج لها في الخارج‏,‏ باعتبارها بلدا تحكمه ديكتاتورية طاغية‏,‏ لا تتحرك فيها عقارب الساعة إلي الأمام‏,‏ جامد الفكر والحركة‏,‏ يرفض أي تغيير حتي إن كان محدودا‏,
لأن مصر بالفعل ليست علي هذه الصورة‏.‏فمصر تشهد حراكا سياسيا نشيطا علي كل المستويات‏,‏ ابتداء من الأحزاب المدنية التي يموج جميعها بحركة داخلية جديدة تهدف إلي كسر الحواجز التي تعوق نشاطها وتعطل ديمقراطيتها الداخلية‏,‏ إلي الحركات الاحتجاجية التي تحمل عشرات الأسماء الجديدة‏,‏ وتغطي أنشطة سياسية ومهنية واجتماعية عديدة‏,‏ إلي التحرك الواسع لعديد من فئات المجتمع‏,‏ تطالب بتحسين أحوالها المعيشية إلي حد حول المنطقة المحيطة بمجلسي الشعب والشوري إلي مركز دائم للتظاهر السلمي‏,‏ يعمل ليلا ونهارا علي مدي الـ‏24‏ ساعة بما في ذلك أيام المواسم والأعياد‏!‏ إلي الشارع السياسي الذي يشهد تطورا غير مسبوق لأنشطة قوي وجماعات سياسية عديدة ترفع مطالبها بضرورة تغيير كل شيء ابتداء من الدستور إلي الترويج لمرشحي انتخابات الرئاسة المقبلة عام‏2011.‏
وبرغم أن هذا الزخم الضخم من حراك سياسي نشيط لا نشهد مثيلا له في أي من البلدان العربية أو الإسلامية أو الدول النامية والمتوسطة فإن الصورة الأعم التي يتم ترويجها لمصر في الخارج هي صورة قوافل سيارات الأمن المركزي علي كل النواصي وصفوف قواتها المتأهبة بدروعها واقنعتها في كل مكان‏,‏ حالة وجودهم في وضع انتظار أو لحظة اشتباكهم مع بعض المتظاهرين‏.‏
ولا أعرف إن كانت هناك وسيلة ما لتخفيف هذا الوجود الأمني الكثيف مع ضمان عدم الإخلال بالأمن في بلد لا يصادر دستوره علي حق التظاهر‏,‏ لكن الذي أعرفه علي وجه اليقين أن صورة مصر قد تضررت علي نحو جسيم بسبب الاشتباكات الأخيرة بين الأمن وشباب‏6‏ أبريل‏,‏ وهم جماعة صغيرة محدودة العدد والأثر لا يتجاوز عددها بضع عشرات‏,‏ كان يمكن احتواؤهم دون استخدام العنف الذي نقلت صوره عشرات بل مئات الكاميرات الموجودة مع التليفون المحمول في أيدي الجميع‏.‏
أعرف أساليب الاستفزاز التي يلجأ إليها البعض‏,‏ وأعرف أن هناك مشكلة زحام مروري في بعض المناطق الحيوية في قلب القاهرة‏,‏ لكن الحل الصحيح لايكون بتخصيص منطقة نائية للتظاهر‏,‏ لأن أحدا لن يذهب إلي هناك‏,‏ وإنما يكون في تحديد أعداد المتظاهرين وزمن التظاهر في هذه الأمكنة الحيوية‏,‏ شريطة أن يلتزم الأمن بحماية المظاهرة‏,‏ ويلتزم المتظاهرون بأدب التظاهر‏,‏ لا يسبون ولا يشتمون ولا يلقون الأحجار علي رجال الأمن‏.‏


الاهرام الخميس 1 من جمادى الأولى 1431هــ 15 ابريل 2010 السنة 134 العدد 45055