لسنا في حاجة إلي ليلة سوداء أخري‏!‏

لا أعرف إن كان ما حدث من تخريب ودمار وخراب وترويع مخيف لأمن المصريين ليس له سابقة معروفة‏,‏
وخسائر جد فادحة سوف تدفع مصر ثمنها من سمعتها وكرامتها ومكانتها ومستقبلها كافيا كي تتنبه عقول وضمائر كل المصريين إلي ضرورة ان يمتنع الجميع عن دفع مصر إلي هذا المنزلق الخطير‏,‏ الذي ضيع مستقبل أمم وشعوب حولنا لم تعرف في الوقت المناسب متي وكيف تكبح جماح عواطف غاضبة غاب عنها اليقظة والرشد‏,‏ ولم تدرك ان الذئاب والضباع والثعابين وأولاد أوي يتربصون علي الناحية الأخري‏,‏ ينتظرون ان يتسع حجم الانفلات ويغيب الضابط والرابط كي يبدأوا هجمتهم كالجراد يأكلون الأخضر واليابس وينهشون عرض مصر وشرفها‏,‏ لا اعرف ان كان الأمر قد آن لكل يقول كفي ما حدث‏,‏ أم اننا سوف ننتظر مرة ليالي سوداء أخري يعيث فيها غربان القوم فسادا‏,‏ لأن الضمائر والعقول سائرة في لهو خفي لاتدرك ان ما خفي كان أعظم‏,‏ وان القادم سوف يكون أشد وبالا إن لم تتوقف هذه العجلة الشريرة‏.‏
كفي ما حدث لأننا لم نعد في حاجة إلي ليلة سوداء أخري‏,‏ كفي لهوا وعبثا وعلي الجميع ان يعرف انه لم يكن أمامنا من خيار سوي ان نكف عن هذا الانتحار الجماعي الذي يظنه بعض المخدوعين فجرا جديدا لكنه فجر كاذب وان نأخذ مصرنا بعيدا عن حافة الهاوية‏,‏ ونحترم جميعا احكام حظر التجول كي تتمكن القوات المسلحة من حماية الوطن وتعقب الذئاب والضباع والمجرمين والقتلة‏,‏ وبدلا من التجوال في ميدان التحرير بعد ساعات حظر التجوال مطلوب من الشباب المصري ان يحترم القانون وينظم بعضه لحماية الأحياء والمساكن من عصابات اللصوص والمجرمين التي تجتاح المدينة إلي ان يتمكن الأمن المصري من استعادة قوامه كي يعاود مهمته‏.‏
والواقع حتي الآن ان الحكم يسعي بجدية بالغة لكي يعيد صياغة منظومته علي نحو جديد يمكنه من الاستجابة للمطالب الصحيحة التي رفعها شباب برئ يريد وطنه ضمن الأمم الناهضة وان تعيين اللواء عمر سليمان بكل خبرته العميقة وفهمه الواسع لمطالب الأمن القومي المصري ومعرفته الدقيقة بكل تفاصيل الصورة الداخلية نائبا لرئيس الجمهورية يسد فراغا مهما في الحكم‏,‏ خصوصا ان الرجل موضع ثقة غالبية المصريين يتوسمون فيه اليقظة والحكمة‏,‏ كما ان اختيار الفريق احمد شفيق وزير الطيران لتأليف الحكومة الجديدة هو أكثر الخيارات الرشيدة المطروحة علي الساحة الداخلية لما اعرف عن الرجل من كفاءة ونزاهة وقدرة فائقة علي الإنجاز‏,‏ وانحياز لمصالح الفئات الأوسع‏,‏ الأمر الذي يؤكد لنا اننا سوف نكون إزاء حكومة رشيدة تملك قرارها‏,‏ وتملك أيضا من اليقظة ما يمكنها من الاستجابة السريعة لمتطلبات الموقف‏.‏
وأظن أيضا ان إقالة أحمد عز من أمانة الحزب الوطني أو استقالته تكفي دليلا لتأكيد ان كل الملفات مفتوحة بما في ذلك ملف الانتخابات الأخيرة‏.‏
أعرف ان هناك من سوف يزايدون علي ما حدث ويعتبرونه غير كاف‏,‏ ويطالبون بلبن العصفور كي تستمر حالة الفوضي‏!‏ لكن الجمهور الواسع من المصريين اكثر رشدا من ان يستجيب لهؤلاء خصوصا ان كل المطلوب فقط ان نحترم النظام والقانون ونعطي فرصة زمن وجيزة إلي ان تتشكل الحكومة الجديدة لتبدأ تنفيذ خطوات الإصلاح القادمة التي حددها الرئيس في أولويات واضحة تؤكد تعميق الديمقراطية والانحياز الي الفئات غير القادرة ومواجهة مشكلة البطالة بحلول جديدة تستجيب لمطالب الشباب واجتثاث الفساد من جذوره‏.‏
نعرف ان المطلوب علي وجه السرعة حزمة عاجلة من القرارات تفصل بين السلطة والثروة‏,‏ وتفتح الحوار الوطني من جديد حول متطلبات وضرورات تعديل المادة‏76‏ من الدستور كي تجتث من الرءوس فكرة توريث الحكم ونحافظ علي مناخ الاستثمار ونضع هذا الهدف في سلم الأولويات العاجلة كي ندرأ مخاطر هرب رءوس الأموال بعد كل ما حدث من تدمير للممتلكات العامة والخاصة لكن أول الغيث يبدأ بقطرة‏,‏ والمطلوب الآن بعض الصبر القليل واحترام احكام القانون ومساعدة القوات المسلحة علي القيام بواجبها حتي ندفع مصرنا الغالية بعيدا عن حافة الهاوية‏.‏


الأهرام الأثنين 31 يناير 2011 السنة 135 العدد 45346