مصر الديمقراطية

أتمني أن تتخلص مصر سريعا من شوائب حالتها الديمقراطية الجديدة التي يخالطها مكائد مكارثية صغيرة تنصب محاكم التفتيش في كل مكان‏,‏ لا تقبل الرأي الآخر وتفرض نوعا من الإرهاب الفكري‏,‏ وتخلط بين الديماجوجية والشعبوية لتهدم النظام العام تحت دعاوي التطهير‏,‏ وتنصب نفسها وريثا لثورة الشباب لكنها تضرب أسوأ الأمثلة علي سوء التغيير‏,‏ خاصة عندما تطال سهامهم المسمومة شرفاء لم يطعن أحد علي ذممهم‏,‏ ولم يقصروا في أداء واجباتهم بأمانة وشرف‏..,‏ وأظن أن البقاء طويلا في نفق هذه المكارثية الجديدة يمكن أن يأخذ مصر إلي متاهات كاذبة‏,‏ تستنزف طاقاتها في طرق ملتوية بلا مخرج‏,‏ وتهدر كل المكتسبات العظيمة التي كشفت عنها ثورة الشباب‏,‏ وتفوت علي مصر فرصة الانطلاق إلي ديمقراطية صحيحة مكتملة‏,‏ يتفتح في ربيعها القادم كل الطاقات وكل الأزهار‏.‏
ولست أشك في أن مصر سوف تعبر هذا النفق المقلق سريعا‏,‏ لأن المصريين أثبتوا في تجربة‏25‏ يناير نضجا بلا حدود يجعلهم يميزون الغث من السمين والحقيقة من الزيف‏,‏ ولأن مصرالديمقراطية آتية لا ريب في ذلك‏,‏ لن يستطيع أحد أن يضللها لأنها أصبحت أكثر ثقة في ذاتها وقدراتها‏,‏ وأكثر قدرة علي استعادة مكانتها العربية والإقليمية والدولية‏..,‏ ومن المؤكد أن مصر الديمقراطية سوف تكون أفضل وأعز وأشد صلابة وأكثر نفعا لشعبها وأمتها وعالمها من مصر الناصرية ومصر الساداتية ومصر مبارك‏,‏ لأن مصر‏25‏ يناير أعطت للعالم مثالا فريدا علي عظمة شعب متحضر خاض مع جيشه وشبابه مرحلة انتقال انحني لها الجميع تحية واحتراما‏,‏ تميزت بالوسطية والعدل والسماحة والشهامة والوفاء والاحتفاء بالكرامة‏.‏
سوف تكون مصر الديمقراطية أقوي وأعز مكانة لأنها سوف تكون مثالا للحكم الرشيد‏,‏ يتداول السلطة عبر صناديق انتخابات حرة‏,‏ وتتساوي فيها حقوق المواطنة للجميع‏,‏ تقدس حرية الرأي والتغيير‏,‏ لا مكان فيها للفساد أو الاستبداد‏,‏ تطلق حرية الفكر والبحث العلمي بغير حدود‏,‏ لا تزيد فيها فترة الحاكم عن مدتين رئاسيتين يعطي فيهما أحسن ما لديه‏,‏ ويخضع لمساءلة الشعب إن أخطأ أو أفسد‏,‏ لا وقت لديه لتربية شلل المنتفعين وبطانة السوء ومراكز القوي‏.‏
ولأن انتخابات الرئاسة سوف تجري بين عدد من المرشحين يفاضل بينهم الشعب في انتخابات نزيهة تحت الإشراف الكامل للقضاء‏,‏ فسوف يجتهد كل مرشح أن يقدم أحسن ما لديه‏,‏ لا يبالغ ولا يعد بما لا يستطيع لأن وقت الحساب قريب‏,‏ ولأن ثورة‏25‏ يناير أذكت في الشعب روحا جديدة وأكدت بروز قوي سياسية شابة مهتمة بمستقبل بلادها‏,‏ فسوف يتوسع نطاق المشاركة في الانتخابات بما يرفع نسب الحضور التي تدنت كثيرا‏,‏ ويضمن أن تكون نتائج الانتخابات انعكاسا حقيقيا لقوي المجتمع غير قابلة للتزييف‏,‏ لا تحكمها عصابات البلطجة أو رشاوي الفساد أو جماعات قليلة العدد حسنة التنظيم تختطف البلاد في غيبة شعبها‏.‏

الأهرام الأثنين 25 من ربيع الاول 1432 هـ 28 فبراير 2011 السنة 135 العدد 45374