البنية القانونية للفساد‏!‏

لم أكن يوما ما صديقا مقربا لأي من هؤلاء القطط السمان‏,‏ ولا تربطني أية مصالح بأي منهم‏,‏ وعشت حياتي معتمدا علي راتبي المشروع‏,‏ لكن ما يجري في مصر الآن من خلط واضح بين محاربة الفساد الذي ينبغي أن يطول كل من سرق أموال الشعب‏,‏ وتربح
حراما علي حساب المصلحة العامة مستخدما جاهه ومنصبه ونفوذه‏,‏ متحايلا علي أحكام القانون‏,‏ وبين مستثمرين‏,‏ صغارا كانوا أم كبارا‏,‏ أقاموا علي أرض مصر العديد من المشروعات والمصانع والمؤسسات التي وظفت الآلاف من الشباب‏,‏ وزادت من حجم الناتج المحلي‏,‏ وعززت قدرة مصر علي التصدير‏,‏ وتوقفت أعمالهم أخيرا وتعرضت للعدوان والابتزاز دون مسوغ‏,‏ ويخضعون الآن لنوع من الضغوط وللكثير من الاتهامات بغير سند أو دليل‏,‏ يمكن أن يكون لها مردودها السلبي علي مناخ الاستثمار في مصر‏,‏ في وقت تحتاج فيه مصر الي جذب المزيد من الاستثمارات المصرية والعربية والأجنبية كي تحقق طموحا في شعبها وشبابها‏.‏
وأظن أن الجانب الأهم في محاربة الفساد يقوم علي عاتق الدولة‏,‏ التي ينبغي أن تعيد النظر في البنية القانونية لنشاط المجتمع الاقتصادي بما يقضي علي احتكار السلع والأسواق‏,‏ ويضمن الحفاظ علي المنافسة‏,‏ وينفذ أحكام الدستور التي تمنع أعضاء المجالس المنتخبة من التعامل مع المال العام والتربح من ورائه‏,‏ وينهي كل السلطات الاستثنائية للوزراء‏,‏ ويضع حدودا فاصلة بين الثروة والسلطة تمنع تداخل المصالح‏,‏ وقواعد واضحة وشفافة للتعامل مع أراضي الدولة‏,‏ ويخضع للمساءلة البرلمانية والتفتيش القضائي ثروات كل من يمارس العمل العام أو يتولي مناصب حاكمة في الدولة‏,‏ ويقنن عمليات الائتمان في البنوك العامة والخاصة بحيث تخضع فقط لمعايير محض مصرفية‏,‏ وينهي مهزلة الإقتراض بأوامر من السلطة التنفيذية‏.‏
ولا بأس المرة من أن ندعو خبراء دوليين في المحاسبة والشفافية للمساعدة في إصلاح البنية القانونية للنشاط الاقتصادي التي تعاني من ثغرات عديدة تفتح أبواب التحايل علي مصاريعها‏,‏ وربما لا يكون هناك بأس كبير من أن نفتش في بطن المريض عن علل وأورام وفيروسات تتطلب العلاج أو الاستئصال‏,‏ لكن علينا أن نسأل أنفسنا الي متي تظل بطن المريض مفتوحة ليس فقط لمن يحملون مشارط الأطباء‏,‏ ولكن لأصحاب سكاكين الضغينة والثأر وتخليص الحسابات القديمة‏,‏ لكن ما من شك أن الشفافية والمحاسبة يمثلان أهم عناصر جذب الاستثمارات لأنهما يحميان قواعد المنافسة الشريفة‏.‏

الخميس 28 من ربيع الاول 1432هــ 3 مارس 2011 السنة 135 العدد 45377