رحيل عالم مجدد‏!‏

برحيل الإمام الأكبر الشيخ الدكتور سيد طنطاوي إلي رحاب الله تفقد مصر واحدا من أهم شيوخ الاعتدال وكبار المجددين الذين اعتلوا سدة الأزهر الشريف‏,‏ وحاولوا مخلصين التوفيق بين متغيرات الشريعة ومتغيرات الحياة‏,‏
من خلال فهم حقيقي لروح الاسلام يتسم بالاعتدال والسماحة‏,‏ ويضع في اعتباره مصالح العباد باعتبارها أهم مقاصد الشريعة‏,‏ ويفهم الدين علي أنه يسر لا عسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه‏,‏ لا يغلظ ولا ينفر ولا يتجهم ولا يهدد‏,‏ ولكنه ييسر ويرغب ويفتح أبواب الرحمة واسعة لأن رحمة الله تسع كل العالمين‏.‏
كان رحمه الله عندما يعتلي المنبر يحرص علي أن يكون بشوشا ودودا‏,‏ لا يزعق ولا يصرخ ولا يتوعد‏,‏ وإنما تنساب الحكمة من كلماته هادئة لينة تصل إلي العقل والقلب معا‏,‏ وكان رغم علمه الغزير جم التواضع كثير المجاملة لايتأخر عن واجب‏,‏ وكان من الدارسين المجددين يحسن تأويل نصوص القرآن والسنة‏,‏ يغوص في أعماقها بحثا عن حكمتها ليقدم للناس فهما متطورا للنص الديني ينفع الناس وييسر حياتهم ويحفزهم علي التقدم‏.‏
وقد كان لقوله الفصل الذي أبرأ البنوك التجارية من أن تكون مجرد أوعية ربوية لدورها المهم في التنمية أثره الكبير في استقرار المعاملات البنكية‏,‏ وما من شك في أن تفسيره المهم لمباهاة الرسول بالمسلمين يوم القيامة بأنها سوف تكون مباهاة بالقوة وليس مجرد العدد‏,‏ لأن التفوق العددي في غيبة العلم والمعرفة يصبح دلالة تخلف وعبئا علي التقدم‏,‏ وضع قضية تنظيم النسل في مصر في موضعها الصحيح لأن المسلم القوي خير عند الله من المسلم الضعيف كما كان يذكر‏.‏
وكان شجاعا في مواجهة أفكار التطرف‏,‏ وعندما كانت ملاقاة هؤلاء علي أرض الحوار مغامرة صعبة يتردد في قبولها كثير من الوعاظ والعلماء‏,‏ كان الشيخ طنطاوي يذهب إلي عقر دارهم‏,‏ يدخل عليهم مساجدهم في أسيوط ليجادلهم في فهمهم الخاطئ للدين‏,‏ لايعبأ بما يمكن أن يفعلوه معه‏,‏ وكثيرا ما لقي العنت وسوء الظن بل وإساءة الأدب من الأدعياء والمتطرفين والمتظرفين الذين لم يرعوا مكانة منصبه‏,‏ لكنه لم يتخاذل ولم يتردد‏,‏ وظل علي رسالته يقف إلي جوار السماحة والاعتدال‏,‏ ويدعو إلي تعارف الشعوب والأمم‏.‏ ويري في تواصله مع أصحاب الديانات السماوية الأخري تكليفا دينيا يعزز رسالة التواصل والتعارف بين الأمم‏.‏


الاهرام الأثنين 29 من ربيع الاول 1431 هـ 15 مارس 2010 السنة 135 العدد 45024