الانفصال بالمعروف‏!‏

إذا كان انفصال جنوب السودان عن شماله قد أصبح أمرا واقعا لا محالة‏,‏ لأن الوحدة لم تعد عنصرا جاذبا لغالبية سكان جنوب السودان‏,‏ ولأن الحرب الأهلية وتواطؤ الغرب‏,‏ وإصرار حزب المؤتمر بجناحيه علي تقديم تطبيق الشريعة علي وحدة الوطن‏,
دون حساب لضرورات التنوع التي كان ينبغي أن تفرض علي السودان نهجا آخر‏,‏ وكلها عوامل سلبية سممت المناخ بين الشمال والجنوب‏,‏ يصبح من الحكمة أن يتم الانفصال بالمعروف حرصا علي روابط المصلحة المشتركة العديدة التي لا تزال تربط بين الجنوب والشمال‏,‏ واحتراما لعلاقات الجيرة الجغرافية بين دولتين تمثلان فرعين لشجرة واحدة‏,‏ ويصبح من حسن التدبير أن تستوعب حكومة الخرطوم الموقف بعقلانية وحكمة‏,‏ توفر علي شمال السودان المزيد من التدخل الخارجي في شئونه‏,‏ وتقطع الطريق علي إمكانية تجدد الحرب الأهلية‏,‏ وتترك مساحة من التفاهم المشترك مع الجنوب‏,‏ تساعد علي حل القضايا العديدة العالقة بينهما‏,‏ وتمكن حكومة الخرطوم من التفرغ لمعالجة مشكلة دارفور وباقي المناطق المهمشة بما يضمن تراضي واقتناع الدارفوريين بأنهم جزء من السودان‏,‏ غاية مطلبهم احترام حقوقهم في المواطنة دون تمييز‏,‏ تمكينهم من إدارة شئونهم في إطار حكم ذاتي يحافظ علي دارفور جزءا من نسيج السودان ووحدته الوطنية‏.‏
ومع كل الاحترام لحكومة الخرطوم‏,‏ فإن المرحلة القادمة تتطلب قدرا أكبر من التسامح والديمقراطية‏,‏ وقدرا أكبر من المصالحة الحقيقية بين قوي الداخل في شمال السودان‏,‏ بما يضمن تكتل الجميع في جبهة عريضة تحافظ علي وحدة الأراضي السودانية وتسعي إلي تحديث نظم حكم السوداني بما يضمن الحفاظ علي تنوعه‏.‏
وإذا كانت مصر تمكنت بمشقة نفسية بالغة من أن تحافظ علي علاقات طيبة مع جنوب السودان ومع شماله بعد أن استنفدت جهودا كبيرة في محاولة منع الانفصال‏,‏ يصبح من مسئوليتها أن تتحمل العبء الأكبر في إيجاد مناخ تصالح بين شمال السودان وجنوبه‏,‏ تساعد الجانبين علي حل المشكلات المتعلقة بقضايا الاستفتاء ومحاولة إتمامه في موعده‏,‏ وتمكنهما من مخاطبة المشكلات العالقة بينهما‏,‏ بما يحفظ علاقة الأخوة بين دولة الشمال ودولة الجنوب‏.‏

الأهرام الأربعاء 13 اكتوبر 2010 السنة 135 العدد 45236