رجال يوم الجمعة‏!‏

أمس الأول الجمعة‏,‏ كان المنظر في الميدان مهيبا ورائعا‏,‏ يوثق شعبيته ثورة الشباب المصري ورقي أدائها وتفردها في ذاكرة التاريخ‏,‏
لكن السؤال المهم‏,‏ كم يوم جمعة مقبلا سوف نخرج خلاله في مظاهرات مليونية كي يضمن الشعب وصول الثورة الي أهدافها ونطلب الي المجلس العسكري الأعلي الالتزام بقائمة من المطالب والأهداف‏,‏ تطول وتتسع كل جمعة الي أن شملت تحرير المسجد الأقصي الذي ربما يكون أنبل الأهداف وأكملها‏,‏ وإن كان يسبقه بالضرورة غايات وأهداف تفرض نفسها علي واقعنا الصعب‏,‏ تذكرنا بها الاحتجاجات والمطالب المتزايدة لعديد من فئات الشعب تعاني الظلم وعسر الحال‏,‏ وتطالب بالإنصاف‏,‏ وما يزيد من صعوبة الحال إصرار البعض علي أن يبقي المصريون في حالة رباط دائم في ميدان التحرير لحراسة أهداف ثورتهم دون اعتبار للكلفة الباهظة لاستمرار حالة الرباط‏,‏ ودون إدراك كاف لضرورة أن تعود الحياة الي مسارها الطبيعي‏,‏ لأن مصر تخسر كل صباح ما يزيد علي مائتي مليون جنيه طبقا لتقديرات الجهاز المركزي للاحصاء‏.‏
نعم ينبغي أن يحافظ أبناء الثورة علي يقظتهم‏,‏ لأن هناك من يريدون سرقتها ومن يخططون للالتفاف علي مطالبها‏,‏ لكن حراسة أهداف الثورة لا تعني قسمة المصريين الي أعداء الثورة وأصدقائها‏,‏ ولا تعني إقامة محاكم التفتيش علي نواصي الشوارع والفضائيات‏,‏ ولا تعني الغرق في ثأر الأمس وخصوماته دون الالتفاف الي مهام الغد والمستقبل‏,‏ وإن كان ملاحقة الفساد وقطع دابره تدخل ضمن المهام العاجلة لهذه المرحلة‏,‏ شريطة ألا نأخذ الجميع بالشبهات‏,‏ وأن نترك المهمة للنيابة العامة وأن نشجع كل مصري علي أن يقدم ما لديه لسلطات التحقيق‏.‏
نعم‏,‏ ينبغي أن يحافظ أبناء الثورة علي يقظتهم‏,‏ لكن ذلك لا يعني التشكيك دون مسوغ في الضمانات الثلاثة الأساسية التي قدمها المجلس العسكري‏,‏ الالتزام بأهداف الثورة‏,‏ وحماية أبنائها‏,‏ وبألا تكون المؤسسة العسكرية بديلا عن شرعية مدنية منتخبة تتمثل في انتخابات رئاسية ونيابية نزيهة تقع تحت الاشراف الكامل للقضاء‏,‏ ولا يعني إضافة مطلب جديد كل ساعة لأن غاية المرحلة الانتقالية هو وضع مصر علي مشارف ديمقراطية صحيحة وتضمن تواصل حوار قوي الشعب وصولا الي طبيعة الدولة التي يريدونها‏.‏
ومع اعترافي بأن الشك مشروع ولعله أقصر الطرق الي الوصول الي اليقين‏,‏ لكن حراسة أهداف الثورة لا تتم فقط عبر التظاهر والرباط في ميدان التحرير وفرض الجديد من المطالب كل يوم ولكنها تتم بصورة أفضل لا تعوق عودة النشاط الاقتصادي للبلاد عبر الجهود الطوعية النبيلة التي يقوم بها شباب الثورة في الأحياء‏,‏ يرفعون ثقة المصريين بأنفسهم‏,‏ ويكملون صورة ثورتهم الناصعة‏..‏ وأظن أن حملة قومية يتسع نطاقها لتشمل كل الجمهورية لتسجيل أسماء الشباب في جداول الانتخابات واستبدال البطاقة الانتخابية بالرقم القومي هو جزء من الضمانات المطلوبة للحفاظ علي أهداف الثورة‏,‏ كما لا يقل عن ذلك أهمية الدعوة الي اكتتاب شعبي عام لبناء نصب تذكاري في ميدان التحرير يخلد شهداء الثورة‏,‏ ويوثق فوق جدرانه حقوق الإنسان المصري محفورة في الحجر في مطالب واضحة ومحددة تنهي كل مظاهر الاستبداد وتعيد للإنسان المصري كرامته‏,‏ وثمة أمثلة أخري عديدة لعديد من المهام والأنشطة التي يمكن أن ينهض بها الشباب المصري خلال المرحلة الانتقالية تؤكد نضجه ويقظته وتحيي قيم العمل والعدالة والحق والجمال‏,‏ وتبعث روحا جديدة في الوطن تستنهض همم الجميع من اللامبالاة وعدم الاكتراث والاحساس بعدم الجدوي‏,‏ وتضاعف من يقظة الشعب حفاظا علي أهداف ثورته‏,‏ وتعطي مساحة وقت للمجلس العسكري الأعلي كي يتم عملية الانتقال الآمن والسلس للسلطة من خلال أقصر الطرق وأقلها مغامرة‏.‏
ولمن يتصورون أن ميدان التحرير هو الضمان الوحيد لتحقيق مكاسب الثورة‏,‏ يكفي أن نذهب الي هناك مرة كل شهر لنناقش ما تم وما لم يتم انجازه‏,‏ توفيرا للوقت والجهد والمال وتأكيدا لأهمية أن تدور عجلة الحياة وتستعيد البلاد نشاطها الاقتصادي لنعوض ما خسرناه ونتمكن من تحسين جودة الحياة لملايين المصريين الذين يستحقون حياة أفضل‏.‏

الأهرام الأحد 20 فبراير 2011 السنة 135 العدد 45366