الخوف من تعثر الحوار الوطني!
صفحة 1 من اصل 1
الخوف من تعثر الحوار الوطني!
يواجه الحوار الوطني الذي بدأ أخيرا بين الحكم في صورته الجديدة وممثلين للشارع السياسي يعبرون عن القوي الجديدة التي صنعت ثورة25 يناير وعدد من القيادات والأحزاب السياسية التي تساندها مصاعب عديدة,
تعوق قدرة أطرافه علي إنجاز وفاق وطني حول أقصر الطرق وأقلها كلفة وأكثرها ضمانا للنجاح للخروج من الأزمة الراهنة التي تعتصر مصر, بينما يتعجل غالبية المصريين الذين أصابهم ضجر بالغ إنهاء الأزمة دون المساس بكرامة الرئيس أو إلزامه الرحيل عن وطنه ومغادرة منصبه قبل نهاية مدته الدستورية, ويتعجلون عودة الحياة إلي طبيعتها, ويبدأون بالفعل في مماريسة أعمالهم, برغم وجود آلاف المعتصمين في ميدان التحرير, يصرون علي مطالبهم والبقاء في الميدان إلي أن تتحقق هذه المطالب.
وتكاد تتركز نقطة الخلاف الرئيسية بين فرقاء الحوار في إصرار جماعة ميدان التحرير وحلفائها علي إسقاط الحكم وتنحية الرئيس وتفويض سلطاته لنائبه الجديد, وحل مجلسي الشعب والشوري وتشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها هذه القوي وانتخاب جمعية وطنية لوضع دستور جديد للبلاد تجري في ظله انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة, بدعوي أن التغيير يتطلب أناسا جددا لأن جميع شخوص المرحلة السابقة غير مؤهلين لإحداث التغيير المطلوب ولأن الشكوك لاتزال تراود كثيرين لا يثقون بالحكم ويعتقدون أنه لا يزال قادرا علي الالتفاف حول مطالبهم وملاحقة كل الذين شاركوا في عملية التغيير.
علي حين يري القائمون علي الأمر اليوم أن الطريق الأكثر اختصارا والأقل كلفة لضمان انتقال سلس وآمن للسلطة يقي مصر من كل الشرور المتوقعة, أن يبقي الرئيس في منصبه إلي نهاية فترته الدستورية بعد ثمانية أشهر ويستخدم سلطاته الدستورية التي لا يملكها أحد سواه ولا يجوز تفويضها لأحد غيره في طلب تعديل المواد الدستورية المطلوب تعديلها لتوسيع حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وتحديد فترة حكمه باثنتين فقط وإجراء انتخابات نظيفة تحت الإشراف الكامل للقضاء.
وتساند أغلبية معتبرة من الشعب هذا الإختيار الأخير لأنه يختصر المرحلة الانتقالية إلي حدود مائتي يوم هي الفترة الباقية من حكم الرئيس, ويقلل حجم الخسائر الفادحة التي تستنزف مصر من جراء توقف كل صور الحياة, ويضمن انتقالا هادئا للسلطة يحفظ للرئيس كرامته, كما أنه لا مبرر المرة في التشكيك في نيات القائمين علي الحكم الآن لأن الحكم أكد التزامه بكل المطالب التي رفعتها ثورة التغيير وبدأ في تنفيذها بالفعل, كما استجاب لمطلبين أساسيين يتعلقان بضرورة التحقيق في أسباب الإنسحاب المفاجئ للشرطة الذي أدي إلي الانفلات الأمني والتحقيق في أحداث الصدام الدامي بين المؤيدين والمعارضين في ميدان التحرير, لمعرفة من الذي سمح لمظاهرات المؤيدين أن تصل إلي الميدان, فضلا عن تنحية جميع أقطاب الحزب الوطني عن مواقعهم, والواضح أن أغلبية المصريين ينحازون إلي هذا الخيار لعدد مهم من الأسباب:
أولها: غياب الحد الأدني من التوافق بين القوي الوطنية التي تشارك في الحوار, وحرص كل منها علي استثمار الأزمة لتعزيز مكانته واختلاف رؤاها وبرامجها حول طبيعة الحلول المطروحة, وتوجس معظمها من أن يكون الفريق الأكثر قدرة علي الانقضاض علي السلطة هم جماعة الإخوان المسلمين لأنها الأكثر استعدادا وتنظيما.
وثانيها: القلق المتزايد من احتمالات أن تطول الفترة الانتقالية, في ظل غياب الحد الأدني من الاتفاق, بصورة تستنزف مصر, وتضاعف من خسائرها وتزيد من قسمة وتشرذم قواها السياسية وتدفع البلاد إلي المزيد من الفوضي, وتغري قوي خارجية وإقليمية بالتدخل في الشأن المصري.
وثالثها: أن غالبية الناس قد ضجروا من وقف الحال والبقاء في البيوت والخضوع لحظر التجوال وإذا كانت غالبية المصريين تتفهم مطالب الشباب وتساند معظمها فإن هذه الغالبية تحس أيضا أن غياب الأمن والاستقرار يشكل عبئا ثقيلا علي حياتها اليومية, وتعتقد أن الإشارات والقرارات التي صدرت عن الحكم في صورته الجديدة تكفي للتأكد من جدية عملية التغيير وصولا إلي الديموقراطية المكتملة وبناء قدر من الثقة في القائمين علي الحكم يسمح باعطاء فسحة زمن معقول تضمن أن يمضي التغيير المنظم والرشيد قدما إلي الأمام بدلا من فوضي عارمة تأخذ مصر إلي المزيد من الخراب.
ورابعها: أن الجميع, الشعب والحكم والأحزاب والقوي الجديدة, يعرف علي وجه اليقين, أن مصر قد اختلفت علي نحو جذري بعد أحداث25 يناير, وأنه لم يعد في وسع ريما أن تعود إلي عاداتها القديمة, وأن التغيير الحقيقي نحو ديموقراطية مكتملة سوف يستمر بعد أن سقطت كل القيود التي تكبل قدرة المجتمع علي تحقيق أهدافه, وعرف الشباب الطريق إلي ميدان التحرير, وتكشف لأنصار الديمقراطية بالقطارة نتائج تباطؤ القرار وغياب الإحساس بنبض الشعب.
وما يثير القلق من الإصرار علي هذا الخلاف الذي يحول دون حدوث وفاق وطني يضمن لمصر خروجا آمنا وسريعا من هذه الأزمة, أن الرئيس مبارك أكد بما لا يدع مجالا لأي شك أنه غير راغب في البقاء لأن الكيل قد فاض, وأنه يود الرحيل الآن لولا التزامه بتحقيق انتقال آمن للسلطة يحفظ أمن مصر وسلامتها, لكن يبدو أن بعض المقامرين يصرون قبل أي شيء آخر ويعتبرون ذلك هدفا غير قابل للتفاوض ليأخذوا مصر إلي المجهول إرضاء لنزعات انتقامية شريرة وتتنكر للقيم ولا تعرف الوفاء, ولا تفيد مصر شيئا لأن عجلة التغيير قد دارت وليس في وسع أحد أن يوقفها أو يلزمها النكوص عن الطريق الصحيح.
الأهرام الأثنين 7 فبراير 2011 السنة 135 العدد 45353
تعوق قدرة أطرافه علي إنجاز وفاق وطني حول أقصر الطرق وأقلها كلفة وأكثرها ضمانا للنجاح للخروج من الأزمة الراهنة التي تعتصر مصر, بينما يتعجل غالبية المصريين الذين أصابهم ضجر بالغ إنهاء الأزمة دون المساس بكرامة الرئيس أو إلزامه الرحيل عن وطنه ومغادرة منصبه قبل نهاية مدته الدستورية, ويتعجلون عودة الحياة إلي طبيعتها, ويبدأون بالفعل في مماريسة أعمالهم, برغم وجود آلاف المعتصمين في ميدان التحرير, يصرون علي مطالبهم والبقاء في الميدان إلي أن تتحقق هذه المطالب.
وتكاد تتركز نقطة الخلاف الرئيسية بين فرقاء الحوار في إصرار جماعة ميدان التحرير وحلفائها علي إسقاط الحكم وتنحية الرئيس وتفويض سلطاته لنائبه الجديد, وحل مجلسي الشعب والشوري وتشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها هذه القوي وانتخاب جمعية وطنية لوضع دستور جديد للبلاد تجري في ظله انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة, بدعوي أن التغيير يتطلب أناسا جددا لأن جميع شخوص المرحلة السابقة غير مؤهلين لإحداث التغيير المطلوب ولأن الشكوك لاتزال تراود كثيرين لا يثقون بالحكم ويعتقدون أنه لا يزال قادرا علي الالتفاف حول مطالبهم وملاحقة كل الذين شاركوا في عملية التغيير.
علي حين يري القائمون علي الأمر اليوم أن الطريق الأكثر اختصارا والأقل كلفة لضمان انتقال سلس وآمن للسلطة يقي مصر من كل الشرور المتوقعة, أن يبقي الرئيس في منصبه إلي نهاية فترته الدستورية بعد ثمانية أشهر ويستخدم سلطاته الدستورية التي لا يملكها أحد سواه ولا يجوز تفويضها لأحد غيره في طلب تعديل المواد الدستورية المطلوب تعديلها لتوسيع حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وتحديد فترة حكمه باثنتين فقط وإجراء انتخابات نظيفة تحت الإشراف الكامل للقضاء.
وتساند أغلبية معتبرة من الشعب هذا الإختيار الأخير لأنه يختصر المرحلة الانتقالية إلي حدود مائتي يوم هي الفترة الباقية من حكم الرئيس, ويقلل حجم الخسائر الفادحة التي تستنزف مصر من جراء توقف كل صور الحياة, ويضمن انتقالا هادئا للسلطة يحفظ للرئيس كرامته, كما أنه لا مبرر المرة في التشكيك في نيات القائمين علي الحكم الآن لأن الحكم أكد التزامه بكل المطالب التي رفعتها ثورة التغيير وبدأ في تنفيذها بالفعل, كما استجاب لمطلبين أساسيين يتعلقان بضرورة التحقيق في أسباب الإنسحاب المفاجئ للشرطة الذي أدي إلي الانفلات الأمني والتحقيق في أحداث الصدام الدامي بين المؤيدين والمعارضين في ميدان التحرير, لمعرفة من الذي سمح لمظاهرات المؤيدين أن تصل إلي الميدان, فضلا عن تنحية جميع أقطاب الحزب الوطني عن مواقعهم, والواضح أن أغلبية المصريين ينحازون إلي هذا الخيار لعدد مهم من الأسباب:
أولها: غياب الحد الأدني من التوافق بين القوي الوطنية التي تشارك في الحوار, وحرص كل منها علي استثمار الأزمة لتعزيز مكانته واختلاف رؤاها وبرامجها حول طبيعة الحلول المطروحة, وتوجس معظمها من أن يكون الفريق الأكثر قدرة علي الانقضاض علي السلطة هم جماعة الإخوان المسلمين لأنها الأكثر استعدادا وتنظيما.
وثانيها: القلق المتزايد من احتمالات أن تطول الفترة الانتقالية, في ظل غياب الحد الأدني من الاتفاق, بصورة تستنزف مصر, وتضاعف من خسائرها وتزيد من قسمة وتشرذم قواها السياسية وتدفع البلاد إلي المزيد من الفوضي, وتغري قوي خارجية وإقليمية بالتدخل في الشأن المصري.
وثالثها: أن غالبية الناس قد ضجروا من وقف الحال والبقاء في البيوت والخضوع لحظر التجوال وإذا كانت غالبية المصريين تتفهم مطالب الشباب وتساند معظمها فإن هذه الغالبية تحس أيضا أن غياب الأمن والاستقرار يشكل عبئا ثقيلا علي حياتها اليومية, وتعتقد أن الإشارات والقرارات التي صدرت عن الحكم في صورته الجديدة تكفي للتأكد من جدية عملية التغيير وصولا إلي الديموقراطية المكتملة وبناء قدر من الثقة في القائمين علي الحكم يسمح باعطاء فسحة زمن معقول تضمن أن يمضي التغيير المنظم والرشيد قدما إلي الأمام بدلا من فوضي عارمة تأخذ مصر إلي المزيد من الخراب.
ورابعها: أن الجميع, الشعب والحكم والأحزاب والقوي الجديدة, يعرف علي وجه اليقين, أن مصر قد اختلفت علي نحو جذري بعد أحداث25 يناير, وأنه لم يعد في وسع ريما أن تعود إلي عاداتها القديمة, وأن التغيير الحقيقي نحو ديموقراطية مكتملة سوف يستمر بعد أن سقطت كل القيود التي تكبل قدرة المجتمع علي تحقيق أهدافه, وعرف الشباب الطريق إلي ميدان التحرير, وتكشف لأنصار الديمقراطية بالقطارة نتائج تباطؤ القرار وغياب الإحساس بنبض الشعب.
وما يثير القلق من الإصرار علي هذا الخلاف الذي يحول دون حدوث وفاق وطني يضمن لمصر خروجا آمنا وسريعا من هذه الأزمة, أن الرئيس مبارك أكد بما لا يدع مجالا لأي شك أنه غير راغب في البقاء لأن الكيل قد فاض, وأنه يود الرحيل الآن لولا التزامه بتحقيق انتقال آمن للسلطة يحفظ أمن مصر وسلامتها, لكن يبدو أن بعض المقامرين يصرون قبل أي شيء آخر ويعتبرون ذلك هدفا غير قابل للتفاوض ليأخذوا مصر إلي المجهول إرضاء لنزعات انتقامية شريرة وتتنكر للقيم ولا تعرف الوفاء, ولا تفيد مصر شيئا لأن عجلة التغيير قد دارت وليس في وسع أحد أن يوقفها أو يلزمها النكوص عن الطريق الصحيح.
الأهرام الأثنين 7 فبراير 2011 السنة 135 العدد 45353
مكرم محمد احمد- عضو نشط
- عدد المساهمات : 169
تاريخ التسجيل : 10/10/2010
العمر : 89
المهنة : نقيب الصحفيين
مواضيع مماثلة
» جدوي الحوار الوطني
» الخوف من الانتقام
» ملاحظات علي الحوار
» شكرا للمنتخب الوطني
» هل يمتنع الحزب الوطني؟!
» الخوف من الانتقام
» ملاحظات علي الحوار
» شكرا للمنتخب الوطني
» هل يمتنع الحزب الوطني؟!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى