نهاية أسطورة‏!‏

من قتل يقتل ولو بعد حين, وقد قتل أسامه بن لادن الآلاف من الأبرياء من كل الملل والأجناس, عربا وأجانب ومسلمين وغير مسلمين, لم يكن لهم ذنب أو جريرة في حربه علي المصالح الأمريكية, التي ألحقت أضرارا جسيمة بصورة الإسلام والمسلمين, كما ألحقت الأذي بالجاليات المسلمة في العالم أجمع, وتسببت في أن يصبح المسلم في نظر الجميع مجرد إرهابي إلي أن يثبت العكس, ومع الأسف لم تنجح القاعدة في أن تحرر شبرا واحدا من الأرض المسلمة المحتلة!.
صحيح أن بن لادن مات كما أراد واقفا, يمسك برشاشه دون أن يقع أسيرا في يد أعدائه, ومهما اختلفت الآراء من حوله فلقد كان بالفعل أسطورة, أمير يملك أن يعيش مترفا هجر القصور ليعيش في الكهوف والجبال دفاعا عن فكره, صاحب شخصية كارزماتية قوية, يحسن التأثير علي أعوانه, أحال القاعدة إلي أخطر تنظيم إرهابي محترف, تطول ذراعه أهدافا تكاد تكون مستحيلة, يحسن استخدام أدوات عصره, ويملك قدرة تأثير طاغية علي أفراده تجعلهم علي إيمان عميق بصحة الرسالة التي يموتون من أجلها رغم أنها رسالة موت وخراب تذكي حرب الحضارات والأديان, ولهذه الأسباب فضل الأمريكيون أن يدفنوا أسامه بن لادن في البحر كي لا يتحول قبره إلي مزار!.
وربما يشكل موت بن لادن بداية النهاية لتنظيم القاعدة رغم أن التنظيم تحول إلي مجرد فكرة, خاصة أن خليفته أيمن الظواهري لا يملك مواهبه وقدراته, ولا يضمن للقاعدة هذا الحجم الضخم من الأموال الذي كان يأتيها سرا من السعودية, كما يختلف من حوله قادة القاعدة, وثمة ما يشير إلي أن الأمريكيين عثروا في مسكن بن لادن علي وثائق تدل علي أثره يمكن أن تعجل بنهايته, لكن الخطر الأكبر علي القاعدة يأتي من ثورة الديمقراطية التي تهب علي العالم العربي التي تؤذن بنهاية فكر القاعدة, لأنها حققت ما لم يستطع تنظيم القاعدة تحقيقه علي مدي عقدين من الزمان.
ولأن ذكاء المرء محسوب عليه, لا يملك الإنسان سوي الدهشة من اختيار بن لادن لمسكنه الأخير في هذه المدينة المزدحمة بالسكان, وعلي مسافة ميل من قاعدة عسكرية مهمة للجيش الباكستاني, وفي هذا القصر الذي يثير الشكوك في حقيقة سكانه لمناعته وضخامة أسواره, لكنها مشيئة الأقدار التي مكنت أوباما من تحقيق هذا الإنجاز الضخم الذي زاد من قوته ومكانته, وشفا غليل الأمريكيين الذين كانوا يرون في حياة بن لادن بعبعا مخيفا وهاجسا خطيرا يهدد أمنهم طالما هو حي يتنفس.

الاهرام الأربعاء 4 مايو 2011 السنة 135 العدد 45439