العلاج علي نفقة الدولة

في دولة كثيفة السكان كثيفة المشكلات يمثل الفقراء أكثر من‏20%‏ من من سكانها‏,‏ لا يزال نظام الحكم فيها برغم احترامنا الكامل لقوانين السوق يستمد الجزء الأكبر من شرعيته من قدرته علي الوفاء باحتياجات الفئات الأقل قدرة‏,‏ يصعب ان لم يكن يستحيل أن تتنصل الدولة من مسئوليتها المباشرة عن أمرين أساسيين هما‏:‏ الصحة والتعليم‏,‏
أو تسعي للتخفيف من هذا العبء عن كاهلها إلا أن تضمن أولا وجود بنية أساسية للنظامين التعليمي والصحي تستطيع أن تقدم الخدمتين علي مستوي جيد لكل المواطنين‏,‏ تشمل مدارس حديثة متطورة ومنضبطة تقدم برامج تعليمية وتربوية متكاملة تخدم أهداف التعليم العام‏,‏ كما تشمل مستشفيات عامة نظيفة ومجهزة ومنضبطة تقدم علاجا طبيا لائقا لكل المواطنين يستوعب الاحتياجات المتنامية للخدمتين‏,‏ وفي إطار هذه الحقائق الصلبة يصبح الاجتهاد في إيجاد نظام بديل بدعوي تخفيف الأعباء عن كاهل الحكومة نوعا من الحلول الملفقة التي تقوم علي الترقيع‏,‏ غالبا ما تسفر عن فشل ذريع تحصد مصر الآن نتائجه بالفعل‏.‏
فالأصل في الخدمة الطبية‏,‏ أن تقدم الحكومة عبر مستشفياتها العامة وما هو في حكم العامة مثل المستشفيات الجامعية الخدمة الطبية اللائقة لكل المواطنين الذين يحتاجونها‏,‏ باعتبار ذلك أساس الرعاية الصحية‏,‏ ويصبح ذلك الهدف الأول لموازنة الصحة كل عام‏,‏ أما أن يتسرب جزء ضخم من هذه الموازنة في صورة قرارات علاج علي نفقة الدولة تستهلك ملياري جنيه أو أكثر‏,‏ ويتم توزيع غالبيتها في صورة حصص ومقننات لأعضاء المجالس النيابية‏,‏ ويتطور الأمر ليصبح هناك كوتة لكل نائب حجمها‏50‏ ألف جنيه في الشهر مطلوب زيادتها دون سقف فأمر غريب لا ينتج سوي نظام فاسد الجدوي‏,‏ غالبا ما يترتب عليه المزيد من تدهور أوضاع المستشفيات العامة وهبوط الخدمة الصحية فيها إلي حد لا يليق بالإنسان‏,‏ وغياب تكافؤ الفرص في حق المواطنين في الحصول علي خدمة طبية لائقة‏,‏ وفساد اداري يزيد من أعباء الانفاق دون تلقي الخدمة الصحيحة‏,‏ واعتذار مستشفيات ضخمة مثل مستشفيات الجامعة ومستشفيات القوات المسلحة عن تقديم هذه الخدمة لتأخر الحكومة في سداد مستحقاتها‏,‏ وعندما يصل فساد الفكر إلي حد طلب زيادة موازنة وزارة الصحة إلي‏30‏ مليار جنيه لاتاحة الفرصة لكل نائب كي يحصل علي كوتة أكبر دون سقف أو حدود علي حساب أولوية تنمية المستشفيات العامة وتطويرها وتوسيع خدماتها فالأمر لا يرضي الله ولا يرضي الضمير ولا يمكن أن يستمر‏.‏
من فضلكم يحسن تغيير هذا النظام علي وجه السرعة‏,‏ بحيث تبقي الأولوية في تقديم الخدمة اللائقة لكل المواطنين وإعادة الانضباط إلي قرارات العلاج علي نفقة الدولة ليصبح وقفا علي جراحات وامراض بعينها‏.


الاهرام الخميس 4من ربيع أول 1431 هـــ 18 فبراير 2010 السنة 135 العدد 44999