الحسابات غير المنظورة في قرارات العلاج علي نفقة الدولة!
صفحة 1 من اصل 1
الحسابات غير المنظورة في قرارات العلاج علي نفقة الدولة!
عصر كل يوم وعلي مدار العام بأكمله, باستثناء أيام العطلات الرسمية, يستصدر القومسيون الطبي في وزارة الصحة بالقاهرة ما بين ثمانية وتسعة آلاف قرار علاج علي نفقة الدولة, تبلغ تكاليفها ما يربو علي ستة ملايين جنيه,
يستفيد منها تسعة آلاف مواطن معظمهم من القاهرة ومحافظات الوجه البحري بنسبة تزيد علي70 في المائة, أما الباقون فمن الصعيد والواحات ومنطقة القناة, يعانون مضاعفات أمراض الكبد بنسبة21 في المائة ومن الفشل الكلوي بنسبة7%, ومن عطب في القلب يتطلب جراحات عاجلة بنسبة6 في المائة, ومن أورام سرطانية تتطلب جرعات علاج الكيماوي نسبة17 في المائة, أما الباقون فيعانون من أمراض أخري متنوعة.. ومن بين التسعة آلاف قرار التي يتم استصدارها كل يوم يذهب6 آلاف قرار الي نواب مجلس الشعب بمعدل خمسة آلاف جنيه لكل نائب باستثناء11 نائبا من خمس محافظات كلها من الوجه البحري هم الأكثر نشاطا يستحوذون وحدهم علي عدد كبير من القرارات جاوزت قيمتها258 مليون جنيه في العام, أما الثلاثة آلاف قرار الباقية فتخص مواطنين عاديين ذاقوا الأمرين وداخوا السبع دوخات الشهيرة كي يتمكن كل منهم من استصدار قرار علاج فردي.
وعادة ما ينتهي البيان الاحصائي حول حجم الانفاق اليومي موزعة علي الأنشطة العلاجية المختلفة إلي أن الوزارة تنفق في اليوم الواحد في المتوسط1,8 مليون جنيه تكلفة دواء الانترفيرون لمرضي الكبد, ومليون جنيه لجراحات القلب المفتوح و1.3 مليون جنيه علي عمليات غسيل الكلي لأكثر من130 ألف مريض يوميا ومليون جنيه خامسة مصاريف علاج الكيماوي لمرضي السرطان في اليوم الواحد.
وبسبب سوء توزيع قرارات العلاج علي نفقة الدولة, الذي أصبح معظمها حكرا علي عدد من أعضاء مجلس الشعب, تفجرت المشكلة تحت قبة البرلمان, وتناثرت الاتهامات هنا وهناك تتهم عددا من النواب بسوء استغلال قرارات العلاج والتربح من ورائها, وكتبت بعض الصحف الحزبية والمستقلة تتهم بعض النواب بأنهم يتقاضون500 جنيه من المريض عن كل قرار يتم استصداره ومائتي جنيه من المستشفي الذي سوف يعالج المريض, إن كان خاصا أو استثماريا, ومع الأسف افتقدت هذه الاتهامات الي أي دليل يثبت صحتها, كما لم يثبت وجود أي بلاغات تتهم أيا من النواب بالتربح برغم الضجة الضخمة التي أثيرت في مجلس الشعب..
ومن وجهة نظر نقيب الأطباء ورئيس لجنة الصحة في البرلمان د. حمدي السيد, فإن تربح النواب من قرارات العلاج علي نفقة الدولة أمر غير وارد ولا يقوم علية أي دليل, خاصة أن المستشفيات الخاصة والاستثمارية ترفض معظمها الآن التعامل مع قرارات العلاج لضخامة مديونية وزارة الصحة عن قرارات علاج سابقة لم تقم بسداد تكاليفها, وتكاد تكون الميزة الوحيدة بالنسبة لنائب البرلمان أن قرارات العلاج هي الخدمة الوحيدة التي يستطيع النائب أن يقدمها لأبناء دائرته كي يعزز شعبيته في الدائرة بعد أن أغلقت الحكومة أبواب التوظف الحكومي, وقل الإنفاق علي الخدمات الي الحد الأدني وأصبح معظمه مرتبطا بخطط تنفيذ معلنة محددة التوقيت, لكن ما من شك في أن الحجم الأكبر من قرارات العلاج تذهب الي نواب الحزب الوطني بنسبة تتجاوز80%!
غير أن سوء التوزيع لقرارات العلاج التي تكلف الخزانة العامة كل عام ما يقرب من أربعة مليارات جنيه, تشكل ثلث موازنة وزارة الصحة, أثار عشرات الأسئلة حول جدوي استمرار نظام علاج لا يحترم تكافؤ الفرص, يتحول الي حصص ومقننات يسيطر عليها عدد من نواب البرلمان دون أي معايير تضمن عدالة التوزيع, ويثير برغم غياب الأدلة شبهات قوية, حول إمكان تربح بعض النواب من ورائه, في الوقت الذي تنهار فيه الخدمة الطبية في معظم المستشفيات الحكومية العامة ويكاد ينعدم العلاج المجاني لفقراء الناس الذين لا يجدون طريقا الي عضو مجلس الشعب لقلة الإنفاق المتاح... ولأن الفلسفة التي تحكم الرعاية الصحية في مصر الآن فلسفة غير متكاملة, تستهدف تحويل المستشفيات العامة الي وحدات اقتصادية, بحيث يتحمل القادرون وأشباههم تكاليف علاجهم, دون أن تضع في اعتبارها أن20 في المائة من سكان مصر من الفقراء الذين لا يملكون القدرة علي العلاج, قلة منهم فقط هي التي تستطيع الوصول الي نائب مجلس الشعب كي تتحصل علي قرار علاج علي نفقة الدولة, أما الباقون فتكاد تنعدم فرص علاجهم لإنعدام فرص العلاج المجاني في المستشفيات العامة.
ومازاد الطين بلة, تراكم حجم الديون التي لم تسددها وزارة الصحة الذي بلغ الآن ما يزيد علي1,4 مليار جنيه لصالح عدد كبير من المستشفيات التي تقدم خدمة طبية جيدة لكنها ترفض التعامل مع وزارة الصحة وتمتنع عن استقبال المرضي الذين يحملون قرارات علاج علي نفقة الدولة, تشمل المستشفيات الجامعية والخاصة والاستثمارية ومستشفيات القوات المسلحة ومراكزها الطبية, حتي أصبح العلاج وفقا لهذه القرارات وقفا علي المستشفيات العامة لوزارة الصحة ومراكزها التخصصية بنسبة تتجاوز الآن80 في المائة, إضافة الي بعض المستشفيات الجامعية الحكومية في حدود15 في المائة.
وتكاد تخلص مشكلة العلاج علي نفقة الدولة في تضخمه علي نحو متزايد منذ قرر الدكتور اسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق في التسعينيات من القرن الماضي, اللجوء إليه باعتباره يشكل موردا إضافيا لعلاج المواطنين, يغطي قصور موازنة وزارة الصحة التي لا تزيد علي12 مليار جنيه وعجزها عن تلبية احتياجات المستشفيات العامة والمركزية, وفي غضون سنوات محددة ارتفعت تكلفة هذا النوع من العلاج من حدود مليون جنيه كانت تخصص لعلاج بعض المواطنين في الخارج الي أربعة مليارات جنيه, يستنفد الجزء الأكبر منها نواب مجلس الشعب, وبالطبع ساعد علي ارتفاع تكلفة القرارات زيادة أسعار مستلزمات العلاج الي حد مهول, حيث ارتفع سعر دعامة القلب من600 جنيه الي2500 جنيه, وارتفع سعر الشريحة والمسمار اللذين يستخدمان في علاج الكسور من1200 الي7 آلاف جنيه, وبسبب تضخم حجم الانفاق تضخم حجم الديون.. لكن الغريب في الموقف أن قرارات العلاج علي نفقة الدولة تكاد تكون الآن المصدر الأساسي لتشغيل المستشفيات العامة والحكومية التي عادة ما تستنفد مواردها المخصصة في الموازنة في ثلاثة أو أربعة أشهر علي الأكثر لقلة الاعتمادات, لكنها تستمر في العمل اعتمادا علي قرارات العلاج التي لولا استمرار صدورها لتوقفت كل مستشفيات وزارة الصحة عن العمل وأخلت معظم أسرتها.. وأظن أن ذلك السبب يشكل أحد العوامل المهمة التي أبقت علي نظام غير كفء لتوزيع خدمات الرعاية الصحية, ثبت فساده ومع ذلك يصعب أن نجد بديلا له بعد أن توقفت المستشفيات العامة عن تقديم خدمات العلاج المجاني.
ومع أن كثيرين يرون أن التأمين الصحي الشامل علي المواطنين ربما يكون الحل الأمثل للخروج من هذا المأزق, خاصة أن54 في المائة من المصريين يتمتعون الآن بنوع من التأمين الصحي المتواضع الذي يمكن تحسينه, فضلا عن أن التأمين الصحي الشامل سوف يضمن جودة الخدمة والمنافسة, لأنه سوف يشمل جميع المستشفيات الخاصة والجامعية والاستثمارية ومستشفيات القوات المسلحة, لكن اعتماد التأمين الصحي الشامل حلا لمشكلة الرعاية الصحية يتطلب موازنة مستقلة تربو قيمتها طبقا لدراسات الخبراء علي27 مليار جنيه, تعتمد في جانب منها علي فرض رسوم وضرائب جديدة علي بعض أنشطة الصناعة التي تضر الصحة العامة مثل صناعات الأسمنت والحديد والمحطات الحرارية والسيارات عالية الاستهلاك للوقود, لكن الحكومة برغم التزامها المعلن بالتأمين الصحي الشامل ضمن برنامج الرئيس مبارك تتقدم خطوة علي هذا الطريق وتتراجع خطوات, في ظل نقص الموارد المتاحة وزيادة الضرائب التي يفرضها كل يوم وزير المالية د.يوسف بطرس غالي التي وصلت الي حد التشبع.
والواضح أن قرارات العلاج علي نفقة الدولة سوف تبقي برغم مثالبها العديدة الأسلوب المتاح لتقديم الرعاية الصحية للمواطنين لفترة طويلة مقبلة بسبب غياب البديل الصحيح, برغم الاختلاف الشاسع بين مطالب نواب الشعب ورؤي وزارة الصحة التي تستهدف تضييق استصدار هذه القرارات الي الحد الأدني مع التوسع في تحسين خدمات العلاج المجاني في المستشفيات العامة ووضع سقف أعلي لكل قرار بحيث لا تزيد تكلفة العلاج لأي شخص عن خمسة آلاف جنيه, وقصر العلاج وفقا لهذه القرارات علي المستشفيات العامة والحكومية, وحظر استصدار أي قرارات علاج إلا من خلال القومسيون الطبي في القاهرة وتقنين حجم القرارات.
غير أن المخرج الصحيح من هذا الوضع الصعب يتطلب ابتداء تغيير الرؤية الراهنة التي تحكم سياسات الرعاية الصحية التي استهدفت تحويل المستشفيات الحكومية إلي وحدات اقتصادية تؤدي الخدمات نظير سداد كلفتها الاقتصادية مع التزام الدولة بسداد تكاليف علاج غير القادرين, غير أن الحكومة لم تنهض بواجبها في هذا المجال علي نحو صحيح, وعبر نظام عادل يقوم علي تكافؤ الفرص يسمح لغير القادرين بالحصول علي هذه الخدمة بصورة مباشرة, وابتدعت بدلا من ذلك نظاما فاسدا يقنن الوساطة, يكلفها أربعة مليارات جنيه في العام, كان يمكن أن تساعد علي إعادة تجديد وتجهيز خدمات الرعاية الصحية المجانية في المستشفيات الحكومية بما يمكن غير القادرين من الحصول علي هذه الخدمات دون وساطة, مع قصر قرارات العلاج علي مرضي الأورام وجراحات القلب المفتوح والحالات المعقدة وتفويض القومسيون الطبي في الأقاليم سلطة إصدار قراراتها, وما من شك أن هذا الطريق الواضح والمباشر يمكن أن يساعد أكثر علي سرعة تأهيل المستشفيات الحكومية لمواجهة متطلبات تنفيذ التأمين الصحي الشامل الذي يتطلب نجاحه مستشفيات عالية التجهيز منضبطة الأداء تقدم خدمة صحية جيدة.
الاهرام السبت 13من ربيع الأول 1431 هـ 27 فبراير 2010 السنة 135 العدد 45008
يستفيد منها تسعة آلاف مواطن معظمهم من القاهرة ومحافظات الوجه البحري بنسبة تزيد علي70 في المائة, أما الباقون فمن الصعيد والواحات ومنطقة القناة, يعانون مضاعفات أمراض الكبد بنسبة21 في المائة ومن الفشل الكلوي بنسبة7%, ومن عطب في القلب يتطلب جراحات عاجلة بنسبة6 في المائة, ومن أورام سرطانية تتطلب جرعات علاج الكيماوي نسبة17 في المائة, أما الباقون فيعانون من أمراض أخري متنوعة.. ومن بين التسعة آلاف قرار التي يتم استصدارها كل يوم يذهب6 آلاف قرار الي نواب مجلس الشعب بمعدل خمسة آلاف جنيه لكل نائب باستثناء11 نائبا من خمس محافظات كلها من الوجه البحري هم الأكثر نشاطا يستحوذون وحدهم علي عدد كبير من القرارات جاوزت قيمتها258 مليون جنيه في العام, أما الثلاثة آلاف قرار الباقية فتخص مواطنين عاديين ذاقوا الأمرين وداخوا السبع دوخات الشهيرة كي يتمكن كل منهم من استصدار قرار علاج فردي.
وعادة ما ينتهي البيان الاحصائي حول حجم الانفاق اليومي موزعة علي الأنشطة العلاجية المختلفة إلي أن الوزارة تنفق في اليوم الواحد في المتوسط1,8 مليون جنيه تكلفة دواء الانترفيرون لمرضي الكبد, ومليون جنيه لجراحات القلب المفتوح و1.3 مليون جنيه علي عمليات غسيل الكلي لأكثر من130 ألف مريض يوميا ومليون جنيه خامسة مصاريف علاج الكيماوي لمرضي السرطان في اليوم الواحد.
وبسبب سوء توزيع قرارات العلاج علي نفقة الدولة, الذي أصبح معظمها حكرا علي عدد من أعضاء مجلس الشعب, تفجرت المشكلة تحت قبة البرلمان, وتناثرت الاتهامات هنا وهناك تتهم عددا من النواب بسوء استغلال قرارات العلاج والتربح من ورائها, وكتبت بعض الصحف الحزبية والمستقلة تتهم بعض النواب بأنهم يتقاضون500 جنيه من المريض عن كل قرار يتم استصداره ومائتي جنيه من المستشفي الذي سوف يعالج المريض, إن كان خاصا أو استثماريا, ومع الأسف افتقدت هذه الاتهامات الي أي دليل يثبت صحتها, كما لم يثبت وجود أي بلاغات تتهم أيا من النواب بالتربح برغم الضجة الضخمة التي أثيرت في مجلس الشعب..
ومن وجهة نظر نقيب الأطباء ورئيس لجنة الصحة في البرلمان د. حمدي السيد, فإن تربح النواب من قرارات العلاج علي نفقة الدولة أمر غير وارد ولا يقوم علية أي دليل, خاصة أن المستشفيات الخاصة والاستثمارية ترفض معظمها الآن التعامل مع قرارات العلاج لضخامة مديونية وزارة الصحة عن قرارات علاج سابقة لم تقم بسداد تكاليفها, وتكاد تكون الميزة الوحيدة بالنسبة لنائب البرلمان أن قرارات العلاج هي الخدمة الوحيدة التي يستطيع النائب أن يقدمها لأبناء دائرته كي يعزز شعبيته في الدائرة بعد أن أغلقت الحكومة أبواب التوظف الحكومي, وقل الإنفاق علي الخدمات الي الحد الأدني وأصبح معظمه مرتبطا بخطط تنفيذ معلنة محددة التوقيت, لكن ما من شك في أن الحجم الأكبر من قرارات العلاج تذهب الي نواب الحزب الوطني بنسبة تتجاوز80%!
غير أن سوء التوزيع لقرارات العلاج التي تكلف الخزانة العامة كل عام ما يقرب من أربعة مليارات جنيه, تشكل ثلث موازنة وزارة الصحة, أثار عشرات الأسئلة حول جدوي استمرار نظام علاج لا يحترم تكافؤ الفرص, يتحول الي حصص ومقننات يسيطر عليها عدد من نواب البرلمان دون أي معايير تضمن عدالة التوزيع, ويثير برغم غياب الأدلة شبهات قوية, حول إمكان تربح بعض النواب من ورائه, في الوقت الذي تنهار فيه الخدمة الطبية في معظم المستشفيات الحكومية العامة ويكاد ينعدم العلاج المجاني لفقراء الناس الذين لا يجدون طريقا الي عضو مجلس الشعب لقلة الإنفاق المتاح... ولأن الفلسفة التي تحكم الرعاية الصحية في مصر الآن فلسفة غير متكاملة, تستهدف تحويل المستشفيات العامة الي وحدات اقتصادية, بحيث يتحمل القادرون وأشباههم تكاليف علاجهم, دون أن تضع في اعتبارها أن20 في المائة من سكان مصر من الفقراء الذين لا يملكون القدرة علي العلاج, قلة منهم فقط هي التي تستطيع الوصول الي نائب مجلس الشعب كي تتحصل علي قرار علاج علي نفقة الدولة, أما الباقون فتكاد تنعدم فرص علاجهم لإنعدام فرص العلاج المجاني في المستشفيات العامة.
ومازاد الطين بلة, تراكم حجم الديون التي لم تسددها وزارة الصحة الذي بلغ الآن ما يزيد علي1,4 مليار جنيه لصالح عدد كبير من المستشفيات التي تقدم خدمة طبية جيدة لكنها ترفض التعامل مع وزارة الصحة وتمتنع عن استقبال المرضي الذين يحملون قرارات علاج علي نفقة الدولة, تشمل المستشفيات الجامعية والخاصة والاستثمارية ومستشفيات القوات المسلحة ومراكزها الطبية, حتي أصبح العلاج وفقا لهذه القرارات وقفا علي المستشفيات العامة لوزارة الصحة ومراكزها التخصصية بنسبة تتجاوز الآن80 في المائة, إضافة الي بعض المستشفيات الجامعية الحكومية في حدود15 في المائة.
وتكاد تخلص مشكلة العلاج علي نفقة الدولة في تضخمه علي نحو متزايد منذ قرر الدكتور اسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق في التسعينيات من القرن الماضي, اللجوء إليه باعتباره يشكل موردا إضافيا لعلاج المواطنين, يغطي قصور موازنة وزارة الصحة التي لا تزيد علي12 مليار جنيه وعجزها عن تلبية احتياجات المستشفيات العامة والمركزية, وفي غضون سنوات محددة ارتفعت تكلفة هذا النوع من العلاج من حدود مليون جنيه كانت تخصص لعلاج بعض المواطنين في الخارج الي أربعة مليارات جنيه, يستنفد الجزء الأكبر منها نواب مجلس الشعب, وبالطبع ساعد علي ارتفاع تكلفة القرارات زيادة أسعار مستلزمات العلاج الي حد مهول, حيث ارتفع سعر دعامة القلب من600 جنيه الي2500 جنيه, وارتفع سعر الشريحة والمسمار اللذين يستخدمان في علاج الكسور من1200 الي7 آلاف جنيه, وبسبب تضخم حجم الانفاق تضخم حجم الديون.. لكن الغريب في الموقف أن قرارات العلاج علي نفقة الدولة تكاد تكون الآن المصدر الأساسي لتشغيل المستشفيات العامة والحكومية التي عادة ما تستنفد مواردها المخصصة في الموازنة في ثلاثة أو أربعة أشهر علي الأكثر لقلة الاعتمادات, لكنها تستمر في العمل اعتمادا علي قرارات العلاج التي لولا استمرار صدورها لتوقفت كل مستشفيات وزارة الصحة عن العمل وأخلت معظم أسرتها.. وأظن أن ذلك السبب يشكل أحد العوامل المهمة التي أبقت علي نظام غير كفء لتوزيع خدمات الرعاية الصحية, ثبت فساده ومع ذلك يصعب أن نجد بديلا له بعد أن توقفت المستشفيات العامة عن تقديم خدمات العلاج المجاني.
ومع أن كثيرين يرون أن التأمين الصحي الشامل علي المواطنين ربما يكون الحل الأمثل للخروج من هذا المأزق, خاصة أن54 في المائة من المصريين يتمتعون الآن بنوع من التأمين الصحي المتواضع الذي يمكن تحسينه, فضلا عن أن التأمين الصحي الشامل سوف يضمن جودة الخدمة والمنافسة, لأنه سوف يشمل جميع المستشفيات الخاصة والجامعية والاستثمارية ومستشفيات القوات المسلحة, لكن اعتماد التأمين الصحي الشامل حلا لمشكلة الرعاية الصحية يتطلب موازنة مستقلة تربو قيمتها طبقا لدراسات الخبراء علي27 مليار جنيه, تعتمد في جانب منها علي فرض رسوم وضرائب جديدة علي بعض أنشطة الصناعة التي تضر الصحة العامة مثل صناعات الأسمنت والحديد والمحطات الحرارية والسيارات عالية الاستهلاك للوقود, لكن الحكومة برغم التزامها المعلن بالتأمين الصحي الشامل ضمن برنامج الرئيس مبارك تتقدم خطوة علي هذا الطريق وتتراجع خطوات, في ظل نقص الموارد المتاحة وزيادة الضرائب التي يفرضها كل يوم وزير المالية د.يوسف بطرس غالي التي وصلت الي حد التشبع.
والواضح أن قرارات العلاج علي نفقة الدولة سوف تبقي برغم مثالبها العديدة الأسلوب المتاح لتقديم الرعاية الصحية للمواطنين لفترة طويلة مقبلة بسبب غياب البديل الصحيح, برغم الاختلاف الشاسع بين مطالب نواب الشعب ورؤي وزارة الصحة التي تستهدف تضييق استصدار هذه القرارات الي الحد الأدني مع التوسع في تحسين خدمات العلاج المجاني في المستشفيات العامة ووضع سقف أعلي لكل قرار بحيث لا تزيد تكلفة العلاج لأي شخص عن خمسة آلاف جنيه, وقصر العلاج وفقا لهذه القرارات علي المستشفيات العامة والحكومية, وحظر استصدار أي قرارات علاج إلا من خلال القومسيون الطبي في القاهرة وتقنين حجم القرارات.
غير أن المخرج الصحيح من هذا الوضع الصعب يتطلب ابتداء تغيير الرؤية الراهنة التي تحكم سياسات الرعاية الصحية التي استهدفت تحويل المستشفيات الحكومية إلي وحدات اقتصادية تؤدي الخدمات نظير سداد كلفتها الاقتصادية مع التزام الدولة بسداد تكاليف علاج غير القادرين, غير أن الحكومة لم تنهض بواجبها في هذا المجال علي نحو صحيح, وعبر نظام عادل يقوم علي تكافؤ الفرص يسمح لغير القادرين بالحصول علي هذه الخدمة بصورة مباشرة, وابتدعت بدلا من ذلك نظاما فاسدا يقنن الوساطة, يكلفها أربعة مليارات جنيه في العام, كان يمكن أن تساعد علي إعادة تجديد وتجهيز خدمات الرعاية الصحية المجانية في المستشفيات الحكومية بما يمكن غير القادرين من الحصول علي هذه الخدمات دون وساطة, مع قصر قرارات العلاج علي مرضي الأورام وجراحات القلب المفتوح والحالات المعقدة وتفويض القومسيون الطبي في الأقاليم سلطة إصدار قراراتها, وما من شك أن هذا الطريق الواضح والمباشر يمكن أن يساعد أكثر علي سرعة تأهيل المستشفيات الحكومية لمواجهة متطلبات تنفيذ التأمين الصحي الشامل الذي يتطلب نجاحه مستشفيات عالية التجهيز منضبطة الأداء تقدم خدمة صحية جيدة.
الاهرام السبت 13من ربيع الأول 1431 هـ 27 فبراير 2010 السنة 135 العدد 45008
مواضيع مماثلة
» العلاج علي نفقة الدولة
» تحديات خطيرة تواجه.. الدولة المدنيـة!
» جوائز الدولة!
» الدولة اليهودية
» الدولة القانونية!
» تحديات خطيرة تواجه.. الدولة المدنيـة!
» جوائز الدولة!
» الدولة اليهودية
» الدولة القانونية!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى