حصار أوباما

لا أظن أن السؤال الصحيح‏,‏ هل يريد الرئيس الأمريكي أوباما إنجاز تسوية عادلة لأزمة الشرق الأوسط؟‏!‏ لأن أوباما أكد أكثر من مرة أن استقرار الشرق الأوسط وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة يمثلان مصلحة أمريكية يتعلق بها أمن الولايات المتحدة‏,‏ ولأنه جعل هذا الهدف علي رأس جدول أعماله منذ الأسبوع الأول لولايته رغم الأزمة الاقتصادية الكبري التي تعتصر الولايات المتحدة‏,‏
وعين جورج ميتشيل مبعوثا للمنطقة في اليوم الثاني لدخوله البيت الأبيض‏,‏ وأطلق بعد أسابيع محدودة في خطابه في جامعة القاهرة آمالا كبارا في تسوية عاجلة رفعت سقف التوقعات في العالمين العربي والإسلامي‏,‏ قبل أن تحاصره جماعات الضغط الصهيونية وقوي الحزب الجمهوري‏,‏ وبقايا المحافظين الجدد‏,‏ وأصدقاء إسرائيل في الكونجرس‏,‏ وكبار الماليين اليهود في أمريكا‏,‏ يطالبونه جميعا بتخفيف الضغوط علي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو‏,‏ ويشنون عليه حملة كراهية واسعة ألزمته التراجع عن مطلبه الصحيح بضرورة أن يلتزم الإسرائيليون بوقف كل صور الاستيطان قبل استئناف مفاوضات السلام‏,‏ وزاد علي ذلك أن كثيرا من أنصاره داخل الحزب الديمقراطي أظهروا قلقا متزايدا من أن تؤثر مواقف الرئيس علي المراكز الانتخابية لعدد غير قليل من نواب الكونجرس الديمقراطيين بصورة يمكن أن تهدد أغلبية الحزب في مجلس الشيوخ والنواب‏.‏
وبرغم أن تراجع أوباما هز شخصيته ووضعه كثيرا‏,‏ إلا أن إرادته لم تنكسر‏,‏ ولا يزال يدعمها اعتقاد قوي داخل البنتاجون والمؤسسة العسكرية بأن عدم التقدم في عملية السلام أوجد مناخا معاديا للولايات المتحدة في الشرق الاوسط‏,‏ وأكد الانطباع بمحاباة أمريكا لإسرائيل‏,‏ وأثر علي أمن وحياة القوات الأمريكية في المنطقة‏.‏
ولا يزال أوباما رغم كل ما حدث علي ايمان بأن تحقيق أمن الشرق الأوسط واستقراره يكمن في حل الصراع العربي الإسرائيلي‏,‏ وأن تسوية القضية الفلسطينية سوف تضاعف من قوة الموقف الأمريكي وقدرته علي معالجة الملف النووي الإيراني‏..‏ وبالتالي يصبح السؤال الصحيح‏,‏ هل لايزال الرئيس أوباما قادرا علي الالتزام بوعده بتحقيق سلام الشرق الأوسط وقيام الدولة الفلسطينية بعد أن فقد جزءا من بريقه وهبطت شعبيته كثيرا في قياسات الرأي العام الأمريكي؟‏!‏
وربما يكون خطأ أوباما أنه حارب علي جبهات عديدة في وقت واحد‏,‏ وضيع كثيرا من الوقت في محاولة التوفيق بين الجمهوريين والديمقراطيين بدلا من أن يطرق الحديد وهو ساخن ويستثمر شعبيته الضخمة في اقرار السياسات التي يعتقد في صحتها‏..‏ ولا ينكر غالبية الأمريكيين أن أوباما بذل جهدا كبيرا في معالجة ميراث ضخم من المشكلات تركها سلفه بوش الابن‏,‏ كما أن من السابق لأوانه الحكم علي أوباما بأنه وصل إلي الحائط المسدود‏,‏ خاصة بعد أن استعاد بعضا من شعبيته‏,‏ لأنه أوفي بما وعد وسحب القوات الأمريكية المقاتلة من العراق في الموعد الذي حدده‏,‏ ونجح في إطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بهدف التركيز علي قضايا الحل النهائي‏,‏ لكن الرئيس الأمريكي يتعرض الآن لعاصفة سوداء جديدة تزحف علي عدد من الولايات الأمريكية‏,‏ يصعب التنبؤ بنتائجها‏.‏

الأهرام الأربعاء 15 سبتمبر 2010 السنة 135 العدد 45208